الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

تزوج من ثانية وتغيرت معاملته للأولى فأبغضته

110602

تاريخ النشر : 04-04-2008

المشاهدات : 80820

السؤال

لقد كنت أعيش حياة سعيدة مع زوجي وأبنائي ، إلى أن تزوج زوجة ثانية ، فبدأ في معاملتي بشكل زرع في نفسي مشاعر البغض كلما رأيته ، فماذا أفعل ؟

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
مشاعر البغض التي تجدينها في نفسك كلما رأيت زوجك لا ندري هل هي بسبب نقمتك عليه لزواجه بأخرى ، أم بسبب معاملته السيئة لك ، وتفضيل الزوجة الجديدة عليك .
فإن كانت الأولى فنقول : ليس في زواج الرجل بامرأة ثانية ذنب ، أو إثم ، بل قد يجب على الزوج ، وكل ذلك مشروط بإقامة العدل بين زوجاته ، فقد أباح الله للرجل أن يجمع أربع نسوة إن استطاع أن يعدل بينهن ، بالنفقة ، والكسوة ، والمبيت ، فإن لم يستطع ذلك : فيحرم عليه التعدد ، وليكتفِ بزوجة واحدة .
قال الله تعالى : ( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ ) النساء/ 3 .
ولا يتزوج الرجل عادة من أخرى إلا وهو محتاج له ؛ لأن إقامة بيت آخر يعني زيادة عبء على هذا الزوج ، ولا يريد الرجل تحميل نفسه عبئاً آخر من غير حاجة ، أو قد يصادف امرأة يتعلق قلبه بها ، ويريد الاجتماع معها على شرع الله تعالى ، وليس ذلك بممكن من غير الزواج بها ، وحكم التعدد لمن تأملها جليلة ، ولذلك لا ينبغي للمعدد أن يكون قدوة سيئة عند الناس بظلمه وتجنيه وسلبه لحقوق بعض نسائه .
ونقول للأخت الفاضلة إن ما يحدث من غيرة بين النساء ، أو مشكلات في الحياة الزوجية عند المعدد يحصل أضعافه عند غير المعدد ، بل إن نسبة الطلاق المهولة في العالم الإسلامي ليست من معددين ، والمشكلات تحصل في كل بيت ، حتى لو لم يكن فيه ضرائر .
وإن كان السبب في تغير زوجك نحوك : ميله للثانية ؛ لجمالها ؛ أو لصغر سنِّها – مثلاً - : فهو ظالم آثم ، ويجب عليه الالتزام بشرع الله تعالى الذي أمره بالعدل بين الزوجات ، وأن يعطي كل واحدة حقَّها الذي أوجبه الله عليه .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " ولا شك أن الطريق التي هي أقوم الطرق ، وأعدلها ، هي : إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كلُّ العُقَلاء
منها : أن المرأة الواحدة تحيض ، وتمرض ، وتنفَس ، إلى غير ذلك من العوائق المانعة من قيامها بأخص لوازم الزوجية ، والرجل مستعد للتسبب في زيادة الأُمة ، فلو حبس عليها في أحوال أعذارها : لعطلت منافعه باطلاً في غير ذنب .
ومنها : أن الله أجرى العادة بأن الرجال أقل عدداً من النساء في أقطار الدنيا ، وأكثر تعرضاً لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة ، فلو قصر الرجل على واحدة : لبقي عدد ضخم من النساء محروماً من الزواج ، فيضطرون إلى ركوب الفاحشة ، فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق ، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة ، والمحافظة على الشرف ، والمروءة ، والأخلاق ، فسبحان الحكيم الخبير ، كتاب حكمت آياته ، ثم فصلت من لدن حكيم خبير .
ومنها : أن الإناث كلهن مستعدات للزواج ، وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزواج ؛ لفقرهم ، فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء؛ لأن المرأة لا عائق لها ، والرجل يعوقه الفقر ، وعدم القدرة على لوازم النكاح ، فلو قصر الواحد على الواحدة : لضاع كثير من المستعدات للزواج أيضاً بعدم وجود أزواج ، فيكون ذلك سبباً لضياع الفضيلة ، وتفشي الرزيلة ، والانحطاط الخلقي ، وضياع القيم الإنسانية ، كما هو واضح .
فإن خاف الرجل ألا يعدل بينهن : وجب عليه الاقتصار على واحدة ، أو ملك يمينه ؛ لأن الله يقول : ( إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان ) النحل/ 90 ، والميل بالتفضيل في الحقوق الشرعية بينهن : لا يجوز ؛ لقوله تعالى : ( فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل فَتَذَرُوهَا كالمعلقة ) النساء/ 129 ، أما الميل الطبيعي بمحبة بعضهن أكثر من بعض : فهو غير مستطاع دفعه للبشر ؛ لأنه انفعال ، وتأثر نفساني ، لا فعل ، وهو المراد بقوله : ( وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء ) النساء/ 129 ، كما أوضحناه في غير هذا الموضع .
وما يزعمه بعض الملاحدة من أعداء دين الإسلام ، من أن تعدد الزوجات يلزمه الخصام ، والشغب الدائم ، المفضي إلى نكد الحياة ؛ لأنه كلما أرضى إحدى الضرتين : سَخطت الأخرى ، فهو بين سخطتين دائماً ، وأن هذا ليس من الحكمة : فهو كلام ساقط ، يظهر سقوطه لكل عاقل ؛ لأن الخصام ، والمشاغبة بين أفراد أهل البيت : لا انفكاك عنه ألبتة ، فيقع بين الرجل وأمه ، وبينه وبين أبيه ، وبينه وبين أولاده ، وبينه وبين زوجته الواحدة ، فهو أمر عادي ، ليس له كبير شأن ، وهو في جنب المصالح العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات من صيانة النساء ، وتيسير التزويج لجميعهن ، وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددها الكثير في وجه الإسلام : كلا شيء ؛ لأن المصلحة العظمى يقدم جلبها على دفع المفسدة الصغرى .
فلو فرضنا أن المشاغَبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة ، أو أن إيلام قلب الزوجة الأولى بالضرة مفسدة : لقدمت عليها تلك المصالح الراجحة التي ذكرنا ، كما هو معروف في الأصول " انتهى . " أضواء البيان " ( 3 / 114 ، 115 ) .

ثانياً:
ونوصي الزوجة التي تغير زوجها عليها بالبحث عن أسباب تغيره ، فإن كان بسبب تقصيرها في حقه : فلتعالج نفسها ، ولتنتبه لحقوق زوجها التي قصَّرت بها ، فبعض النساء لا تلتفت لأهمية تجملها ، وحسن منطقها ، وجمال هندامها ، وتعيش مع زوجها " روتيناً " قاتلاً ، ولا شك أن الرجال يرون ما تشيب له الرؤوس من النساء في الطرقات ، والعمل ، والفضائيات ، وعموم وسائل الإعلام ، والمرأة العاقلة تعي هذا وتنتبه له ، فهي تتجمل ، وتتعطر ، وتحسن من خدمة زوجها والعناية به ، وهي تكفيه عن الأسباب التي قد تؤدي به للزواج من غيرها ، كما أن بعض النساء تنشغل بأولادها انشغالاً كاملاً ، ويكون ذلك على حساب حقوق زوجها ، وحاجته لها ، وهو ما يؤدي به للتفكير في نفسه ، وفي بناء بيت آخر ، فلتعقل الزوجات هذا ، ولينتبهن له .
وإن كان تغير زوجها لهوى في نفسه : فهو بحاجة لوعظ وتذكير ، وإن كان بسبب حسدٍ ، أو عين ، أو سحر : فهو بحاجة لرقية شرعية ؛ لأن مثل هذا يحدث ، ولا ينبغي إنكاره ، كما لا ينبغي توهمه ، واعتقاده ، وليس الأمر كذلك في حقيقة الحال .
والحاصل : أن الواجب أن تبحث المرأة في نفسها أولا ، فإن وجدت تقصيرا أو خللا سبب ذلك ، فلتبادر بإصلاح نفسها ، وإكمال ما عندها .
وإن كان التقصير من ناحية الزوج : فلتصبر على ذلك البلاء ، وليس لها أن تعينه على التمادي في تقصيره وظلمه وإساءته ، بما يحصل من ردود الأفعال ، بل الواجب أن تعينه على الكف عن ظلمه ، أو التقليل منه ، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا .
ولتعلم أن بيتها ، وكنف زوجها ، مع كل ذلك التقصير والتفريط : خير لها من هدم البيت ، وتشريد الأولاد .
وكثير من الأزواج يقع في ذلك الظلم فترة معينة ، ربما لانبهاره بالزوجة الصغيرة الجديدة ، التي لم يشن جمالها الحمل والرضاع ، ولم يشغلها عنه البيت والأولاد ، وسرعان ما تلحق الثانية بحال الأولى ، وتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي .
وتذكري ـ يا أمة الله ـ وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس ، وهو غلام ، وهي وصية معروفة مشهورة ، وفي آخرها : ( .. يَا غُلَامُ ... احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ ؛ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) رواه أحمد (2800) ، وصححه محققو المسند .

ونسأل الله تعالى أن يجمع بينكما على خير ، وأن يجعل ما أصابك سبباً لتكفير سيئاته ، وتغيير حالك إلى ما هو أفضل لك عند ربك تعالى .

والله أعلم



 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب