ما حكم الرجوع في البيع بسبب عدم معرفته بسعر السوق؟

29-11-2023

السؤال 472865

أنا مقيم بالخارج، وغير ملم بالتحديثات التي تحدث بأسعار العقارت في بلدي الأم بصفة دورية، ولدي عقار تم الاتفاق عليه بالبيع هاتفيا، مع استلام عربون لدي أحد الأصدقاء، وعند رجوعي لبلدي لإتمام البيع بعد 17 يوما من الاتفاق تفاجئت بأن السعر الذي تم الاتفاق عليه أقل قيمة من السعر الحقيقي في يوم الاتفاق، وليس بعد الاتفاق، وبناء عليه أعتذرت عن إتمام البيع؛ بسبب عدم علمي بالسعر الحقيقي وقت الاتفاق، وذلك لإقامتي بالخارج، واستنادا على فتوى بأنه يجوز مع الكراهة التراجع في البيع بسبب الوقوف على قيمة السعر بعد المواعدة والاتفاق، فهل ما فعلته جائز شرعا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا كان ما تم هو وعد بالبيع، وليس بيعا جازما، فلك الرجوع فيه؛ لأن الوعد غير ملزم في قول الجمهور.

قال في "المبدع" (8/138): " لا يلزمه الوفاء بالوعد، نص عليه، وقاله أكثر العلماء، لأنه يحرم بلا استثناء، لقوله تعالى: ولا تقولن لشيء [الكهف: 23]، ولأنه في معنى الهبة قبل القبض" انتهى.

وفي "الموسوعة الفقهية" (44/75): " الوفاء بالوعد مستحب، فلو تركه: فاته الفضل، وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة، ولكن لا يأثم. وهو رأي جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم.

قال النووي: الوفاء بالوعد مستحب استحبابا متأكدا، ويكره إخلافه كراهة شديدة" انتهى.

ثانيا:

إذا كان الذي تم بيعا جازما، ولو شفهيا، حصل فيه الإيجاب والقبول، فقلت: بعت، وقال المشتري: اشتريت؛ فالأصل في البيع اللزوم بعد التفرق من مجلس البيع، أو إنهاء المكالمة إذا تم البيع بالهاتف، ولا رجوع فيه؛ إلا إذا وجد ما يوجب الخيار، كالشرط، أو العيب، أو الغبن، أو أن يُفسخ البيع برضى صاحبه؛ لما روى البخاري (2112)، ومسلم (1531) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا.

ثالثا:

إذا وجد أحد المتبايعين أنه قد غبن في الثمن، فله الخيار بين فسخ البيع أو إمضائه.

والغبن المعتبر يرجع فيه إلى عادة التجار، عند الجمهور.

وفي "الموسوعة الفقهية" (20/150): " والمراد بالغبن الفاحش عند الحنفية، والمالكية في الراجح، والحنابلة في قولٍ: أن العبرة في تقدير الغبن على عادة التجار؛ وإن اختلفت عباراتهم، فإنها كلها تؤدي إلى هذا المعنى.

وإنما كانت العبرة بتقويم المقوّمين، لأنهم هم الذين يُرجع إليهم في العيوب ونحوها من الأمور التي تقتضي الخبرة في المعاملات.

والقول الثاني لكل من المالكية والحنابلة أن المعتبر في الغبن: الثلث، والقول الثالث للمالكية: ما زاد على الثلث" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا اشترى سلعة بـ (2500) ريال، وهي لا تساوي إلا (1500) ريال، فإن كان البائع يعلم أن السعر (1500) ريال، ولكنه وجد هذا الرجل الغريب الذي لا يعرف الأسعار وباعها عليه بـ (2500)، فإنه آثم ولا يحل له ذلك، وإذا علم المشتري بهذا فله الخيار، وهذا يسمى خيار الغبن؛ لأن (1000) من (2500) كثير، وأما لو كان الغبن يسيراً كـ (10%)، فهذا لا يضر، ولا يزال الناس يتغابون بمثله.

أما إذا كان البائع لا يعلم، مثل: أن تكون هذه السلعة بـ (2500)، ونزل السعر والبائع لا يدري بنزوله، فالبائع غير آثم، لكن حق المشتري باقٍ، وله الخيار؛ لأنه مغبون" انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (56/ 14).

رابعا:

جمهور الفقهاء على حصر خيار الغبن في صور معدودة يحصل فيها التغرير من الطرف الآخر، كتلقي الركبان، والنجش، والمسترسل الذي يقول: أبيعك بما يشتري الناس وهو لا يدري، فهؤلاء هم الذين لهم الخيار، وأما غير هؤلاء فلا خيار لهم عند الجمهور.

قال السبكي في "تكملة المجموع" (12/326): " قال أصحابنا: لا يثبت الخيار بالغبن ، سواء أتفاحش أم لا.

وإن اشترى زجاجة بثمن كثير، وهو يتوهمها جوهرة: فلا خيار له، ولا نظر إلى ما يلحقه من الغبن؛ لأن التقصير منه، حيث لم يراجع أهل الخبرة...

ويخالف تلقى الركبان؛ لأن هناك وجد منه تغرير، بالإخبار عن السعر على خلاف ما هو، ولا طريق إلى الاستكشاف" انتهى.

وقال في "كشاف القناع" (3/213): " (وأما من له خبرة بسعر المبيع، ويدخل على بصيرة بالغبن، ومن غُبِن لاستعجاله في البيع، ولو توقف فيه ولم يستعجل لم يُغبن: فلا خيار لهما) لعدم التغرير" انتهى.

وذهب المالكية في قولٍ إلى أن خيار الغبن يثبت لكل من غُبن إذا كان يجهل القيمة، وقيده بعضهم بالثلث.

قال القاضي عبد الوهاب في "عيون المسائل" ص399: " إذا ظهر في البيع غبن كثير، نُظر؛ فإن كان من أهل النظر والبصيرة بتلك السلعة وأسعارها في وقت البيع: لم يثبت الفسخ، وإن كانا أو أحدهما جاهلًا بتقلب السعر وتغيره عند العقد، وتفاوَتَ الغبن فيما عقدا عليه: ثبت له الفسخ. ومن أصحابنا من اعتبر الثلث في القيمة، ولم يحدّ مالك فيه حدًّا، إِلَّا في وجه : [إذا خرج] عن تغابن النَّاس في مثل تلك السلعة.

وقال أبو حنيفة والشّافعيّ: لا يثبت الفسخ بالغبن؛ أكثر أم قلّ الغبن، قليلًا أو كثيرًا" انتهى.

وقال الدسوقي: " وقال المتيطي: قال بعض البغداديين: إن زاد المشتري في المبيع على قيمته الثلث فأكثر، فسخ البيع، وكذلك إن باع بنقصان الثلث من قيمته فأعلى، إذا كان جاهلا بما صنع، وقام قبل مجاوزة العام، وبهذا أفتى المازري وابن عرفة والبرزلي وابن لُب، ومشى عليه ابن عاصم في متن التحفة حيث قال:

ومن بغبن في مبيع قاما**** فشرطه أن لا يجوز العاما

وأن يكون جاهلا بما صنع**** والغبن للثلث فما زاد وقع

وعند ذا يفسخ بالأحكام**** وليس للعارف من قيام

اهـ. قلت: والعمل به مستمر عندنا بفاس اهـ. بن" انتهى من "الشرح الكبير" (3/ 140).

وينظر: "البهجة شرح التحفة" (2/ 175).

وينظر: جواب السؤال رقم: (263764).

والراجح ما ذهب إليه المالكية.

وعليه، فإن كان الفرق بين الثمن الذي تم البيع به وسعر السوق فرقا معتبرا، وكان المشتري قد غَرر بك، أو كنت تجهل سعر السوق- على قول المالكية- فلك الخيار بين فسخ البيع أو إمضائه.

وإذا لم يكن شيء من ذلك، فالبيع لازم، ولا تملك الفسخ إلا برضى المشتري.

ويستحب له قبول الفسخ، بكل حال؛ لما روى أبو داود (3460)، وابن ماجه (2199) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

والحاصل:

أنه يفرق بين الوعد بالبيع والبيع الجازم، وأن الأصل في البيع اللزوم، ولا يفسخ إلا لوجود ما يوجب الخيار كالشرط والعيب والغبن، أو برضى الطرف الآخر.

والله أعلم.

البيوع
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب