موضوعات سورة البقرة

03-09-2021

السؤال 345549

تقع سورة البقرة على امتداد جزأين وثمان صفحات، ففي الجزء الأول كان حديث ربنا عن ثلاث خلفاء بالأرض؛ الخليفة الأول آدم عليه السلام، وقد كلفه الله تعالى أن لا يقرب الشجرة ليعلم مدى طاعته، ولكن الذي حصل إن (وعصى آدم ربه فغوى)، وسرعان ما ندم، وتاب، وأناب، فتاب الله تعالى عليه، فكانت نتيجة التكليف 50%. الخليفة الثاني بنو اسرائيل: (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) كلفهم الله تعالى بتكاليف، فكانت النتيجة في كل مرة، المعصية تلو المعصية، ولم يتركوا معصية في حق الله تعالى إلا واجترموها، فكانت النتيجة 0%. الخليفة الثالث إبراهيم عليه السلام: (اني جاعلك للناس إماما)، امتحنه الله تعالى وابتلاه، فكانت النتيجة أنه أطاع تمام الطاعة، وكانت النتيجة 100%. الجزء الثاني من سورة البقرة، نجد أنه يزخر بالأحكام والتكاليف والتشريعات، من أحكام الصلاة، والصيام، والأسرة، إلى تحريم القتل، والربا، والزنا، إلى أحكام الدين والانفاق. وكأن الله يقول لنا: هذه أحكامي، وهذه شريعتي، فانظروا أنتم من تكونون من هؤلاء النماذج الثلاثة من عبادي، مثل آدم عليه السلام تعصون ومن ثم تطيعون، أم مثل بني إسرائيل: (قالوا سمعنا وعصينا)، أم مثل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام تطيعون تمام الطاعة، فاختاروا ماتشاؤون. وفي الصفحات الأخيرة تتنزل آية يضج منها الصحابة خوفاً وهلعاً: (لله مافي السموات ومافي الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله). لما نزلت هذه الآية أتى الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم يبكون، قالوا يا رسول الله أمرنا الله بالصلاة والصيام والزكاة فصبرنا وامتثلنا؛ لأننا كلفنا بما نطيق، ولكن هذا تكليف بما لا نطيق، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لا تكونوا كبني إسرائيل مع موسى قالوا سمعنا وعصينا، ولكن قولوا سمعنا وأطعنا.

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

فضل سورة البقرة

سورة البقرة من أعظم سور القرآن، ففي الحديث الشريف عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: 

اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه.

اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان - أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف - تحاجَّان عن أصحابهما.

اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة

  رواه مسلم (804).

ثانيًا:

تقسيمات سورة البقرة

سورة البقرة على طولها تتألف وحدتها من: مقدمة، وأربعة مقاصد، وخاتمة، على هذا الترتيب:

"المقدمة" في التعريف بشان هذا القرآن، وبيان أن ما فيه من الهداية قد بلغ حدًّا من الوضوح لا يتردد فيه ذو قلب سليم. وإنما يعرض عنه من لا قلب له، أو من كان في قلبه مرض.

"المقصد الأول" في دعوة الناس كافة إلى اعتناق الإسلام.

"المقصد الثاني" في دعوة أهل الكتاب دعوة خاصة إلى ترك باطلهم والدخول في هذا الدين الحق.

"المقصد الثالث" في عرض شرائع هذا الدين تفصيلًا.

"المقصد الرابع" ذكر الوازع والنازع الديني الذي يبعث على ملازمة تلك الشرائع وينهى عن مخالفتها.

"الخاتمة" في التعريف بالذين استجابوا لهذه الدعوة الشاملة لتلك المقاصد، وبيان ما يرجى لهم في آجلهم وعاجلهم.

وقد ذكر الله قصة نبوة ذلك النبي الأول آدم، لنعلم أن نبينا لم يكن بدعًا من الرسل، وأن أمر التشريع والنبوات أمر قديم يتصل بنشأة الإنسان.

وقد مهد لهذا البيان بذكر تاريخ تلك النشأة العجيبة وما جرى في شأنها من الحديث مع الملائكة، ذلك الحديث الدال على مزيد العناية الإلهية بهذا النوع البشري، إذ اختاره الله لخلافة الأرض، وآثره على سائر الخلق بفضيلة العلم، ليكون الامتنان بذلك جاريًا مع الامتنان بالنعم المذكورة في الركن الأول على أحسن نسق، ثم اتصل من هذا التفصيل إلى شرح ما نشأ عنه من حسد إبليس وعداوته القديمة للإنسان الأول ومخادعته إياه بوساوسه، وما انتهى إليه أمر الخادع والمخدوع من ابتلائهما وابتلاء ذريتهما بالتكاليف.

ذكر بني إسرائيل في سورة البقرة 

وفي السورة حديث عن "بني إسرائيل" في أربعة أقسام:

"القسم الأول" يذكر فيه سالفة اليهود منذ بعث فيهم موسى -عليهم السلام.

"القسم الثاني" يذكر فيه أحوال المعاصرين منهم للبعثة المحمدية.

"القسم الثالث" يذكر فيه أولية المسلمين منذ إبراهيم -عليه السلام.

"القسم الرابع" يذكر فيه حاضر المسلمين في وقت البعثة.

عرض سورة البقرة لتاريخ إبراهيم عليه السلام

وترى السورة في أثناء عرضها لتاريخ إبراهيم - عليه السلام - وإمامته للناس: لا ينسى أن يحكي كلماته التي دعا بها ربه أن يجعل من ذريته إمامًا للناس كما جعله هو.

ثم تراه حين يروي قيام إبراهيم وابنه إسماعيل ببناء البيت المعظم الذي جعله الله حرمًا آمنًا ومثابة للناس وقبلة لصلاتهم، لا ينسى أن يحكي تضرعهما إلى الله أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة وأن يبعث فيهم رسولًا منهم يعلمهم ويزكيهم.

ممهدًا بهذا وذاك لتقرير تلك الصلة التاريخية المتينة التي تربط هذا النبي وأمته، بذينك النبيين الجليلين؛ لا صلة النبوة النسبية فحسب، بل صلة المبدأ ورابطة الوحدة الدينية أيضًا، فهم من ذريتهما، ووجودهم تحقيق لقبول دعوتهم، وملتهم ملتهما؛ وقبلتهم قبلتهما، ومثابتهم في حجهم مثابتهما.

ومقررًا في الوقت نفسه انقطاع مثل هذه النسبة المشرفة عن اليهود الذين ينتسبون بالبنوة لإبراهيم ويعقوب، وهم عن ملتهما منحرفون ولوصيتهما مخالفون. فماذا يغني النسب عن الأدب؟ ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.

وبعد أن ذكرت "السورة" أركان الدين كلها، وألمَّ بعناصره جميعها: الإيمان، والإسلام، والإحسان؛ لم يبق بعد تمام الحديث إلا طي صحيفته، وإعلان ختامه؟

ختام سورة البقرة

فهل تعرف كيف طويت صحيفة هذه السورة، وكيف أعلن ختامها؟

لنعد بذاكرتنا إلى الآيات الخمس التي افتتحت بها سورة البقرة؛ لنرى كيف تتجاوب تلك المقدمة مع هذه الخاتمة؛ ثم كيف يتعانق الطرفان هكذا، ليلتحم من قوسيهما سور محكم يحيط بهذه السورة، فإذا هي سورة حقًّا، أي بنية محبوكة مسورة..

ألم يكن مطلع السورة وعدًا كريمًا لمن سيؤمن بها ويطيع أمرها، بأنهم أهل الهدى وأهل الفلاح؟

ألسنا نترقب الآن صدى هذا الوعد؟ بلى؛ إننا ننتظر الآن أن تحدثنا السورة: هل آمن بها أحد، وهل اتبع هداها أحد، ثم ننتظر منها إن كان ذلك قد وقع، أن تحدثنا عن جزاء من استمع واتبع..

وهكذا سيكون مقطع السورة:

1- بلاغًا عن نجاح دعوتها: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ... وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا.

2- وفاءً بوعدها لكل نفس بذلت وسعها في اتباعها: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.

3- فتحًا لباب الأمل على مصراعيه أمام هؤلاء المهتدين. فليبسطوا إذًا أكفهم مبتهلين: "ربنا.. ربنا.. ربنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين".

وانظر تفصيل ذلك في "النبأ العظيم" د. محمد دراز (176 - 284).

ثالثًا:

وسورة البقرة فصلت في أحوال الناس: المؤمنون، والمنافقون، والكفار، وتوسعت في ذكر أحوال أهل الإيمان وما كلفهم الله به، والتنبيه على أضداد صفاتهم بذكر أحوال بني إسرائيل.

القول بأن سورة البقرة كانت للحديث عن ثلاثة خلفاء في الأرض تكلف لا حاجة له

على أنَّ ما ذكره السائل مما لا حاجة لمثله، وفيه من التكلف الزائد، بل القول على الله بلا علم، والجرأة على مقام أنبيائه ما لا يخفى على مسلم؛ فقول هذا المتكلف عن آدم، نبي الله الكريم، أبي البشر، عليه السلام: إن (نتيجة التكليف 50 %)، كذب محض، وقول على الله بلا علم، وسوء أدب مع أبينا آدم عليه السلام، وعقوق له؛ فمن لك بذلك القول الكاذب أن نتيجة اختباره كانت بهذه النسبة؛ فإن كان عند الناس: فيا سوء ما لقي آدم من ذريته وعقوقهم. وإن كان عند الله فما أكذب هذا القائل، وأشد جرأته على رب العالمين؛ فمن أين له ذلك، وقد قال الله تعالى عن نبيه آدم عليه السلام:  ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى  طه/122. 

ثم إن إبراهيم عليه السلام: لم يكن له خلافة ولا ملك؛ فلا هو خليفة في الأرض خلافة عامة على الناس، كما كان أبوه آدم عليه السلام، ولا كان له ملك كملك داود وسليمان؛ إنه التكلف المحض، لأجل أن يرتب قولا في مخليته، وينمق كلاما أعجبه، وأعجبته نفسه في قوله!!

ثم بنو إسرائيل: لم تكن لهم أيضا خلافة عامة، ولا سلطان عام في الناس، ولا دولة قاهرة للخلائق. 

وإن أراد أنهم مستخلفون في أرضهم، وزمانهم، وأن إبراهيم عليه السلام كان مستخلفا، بمعنى أنه مرسل إلى الناس، مبتلى بمقام الرسالة وأعبائها، قائم على الناس بتبليغ دين الله إليهم؛ فهكذا كان عامة الأقوام، وهكذا كان عامة الأمة الأنبياء؛ فما وجه التخصيص ببني إسرائيل، أو بإبراهيم عليه السلام من الأنبياء والمرسلين؟

ثم ظهور الخلافة في مثل نوح عليه السلام: كان أظهر وأبين، فهو أبو الأنبياء بعد آدم، ومن ذريته تناسل أهل الأرض. 

إنه التكلف المحض، بلا معنى، ولا ضبط للكلام، ولا قاعدة تبين وجه ذكر ما ذكر، ولا ترك ما سكت عنه. 

وقد قال الله عز وجل لنبيه عليه السلام:  قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ  الصافات/86

وروى البخاري في صحيحه (7293) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: "نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ". 

والله أعلم.

تفسير القرآن
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب