دعاء؛ اللهم بارك لي في الموت.

04-03-2019

السؤال 302367

ما صحة هذا الحديث الطويل الذي قال الرسول صل الله عليه وسلم فيه لعلي: ( أنت مني كهارون من موسى) ، وقال له : ( قل اللهم بارك لي في الموت ، وما بعد الموت) وهل يجوز الدعاء بهذا ؟ وهل يجوز الأخذ بما جاء في هذا الحديث من أدعية وأعمال ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

وصايا علي رضي الله عنه، أغلبها مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تتابع أهل العلم على التنبيه على هذا.

قال الشوكاني رحمه الله تعالى:

" في النسخ الموضوعة:...

ومنها: وصايا علي رضي الله عنه.

قال في الخلاصة: كلها موضوعة سوى الحديث الأول، وهو: أنت مني بمنزلة هارون من موسى.

قال الصغاني: ومنها وصايا علي كلها، التي أولها: يا علي لفلان ثلاث علامات، وفي آخرها: النهي عن المجامعة في أوقات مخصوصة، كلها موضوعة.

قال في اللآلىء: وكذا وصايا علي موضوعة، واتهم بها حماد بن عمرو، وكذا وصاياه التي وضعها عبد الله بن زياد " انتهى من "الفوائد المجموعة" (ص 423 - 424).

وإذا ثبت كذب أغلب هذه الوصايا، فلا يجوز للمسلم أن يتخذها مصدرا للعلم والعمل؛ لأن هذا يعد من الاقرار للكذب على النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا ذنب عظيم.

روى الإمام مسلم في "مقدمة الصحيح" (1 / 9) عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ   ورواه الترمذي (2662)، وقال: ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ).

وقد اتفق أهل العلم على هذا بعدم جواز رواية الحديث الموضوع إلا مع بيان كذبه، فكيف العمل به!؟

قال السيوطي رحمه الله تعالى:

" وقد أطبق على ذلك علماء الحديث فجزموا بأنه لا تحل رواية الموضوع في أي معنى كان، إلا مقرونا ببيان وضعه " انتهى من "تحذير الخواص من أكاذيب القصاص" (ص 133).

وقد اجتهد العلماء ورثة الأنبياء في تصفية المرويات وبيان ما صح منها ، وجمعوها في مصنفات تغني المسلم ، وتكفيه عن تتبع الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ فعلى المسلم أن يكتفي بمطالعة أمثال هذه الكتب، فهي العلم النافع.

ومن الكتب النافعة السهلة التناول والتي تغني عن مثل هذا الحديث المكذوب، كتاب "رياض الصالحين" للإمام النووي رحمه الله تعالى، وعليه شروحات عدة ومن أسهلها وأنفعها شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، وهو متوفر على شبكة الأنترنت.

وللفائدة يراجع جواب السؤال رقم : (218185)، حول جملة أنت مني كهارون من موسى  .

ثانيا:

دعاء " اللهم بارك لي في الموت وما بعد الموت ".

رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7 / 343)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْإِصْطَخْرِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَتْنِي نَضْرَةُ بِنْتُ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الطُّفَيْلِ الْقَيْسِيَّةُ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:

" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَيْسَ الشَّهِيدُ إِلَّا مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟

فَقَالَ:   يَا عَائِشَةُ! إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ، مَنْ قَالَ فِي يَوْمٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَرَّةً: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي الْمَوْتِ، وَفِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ شَهِيدٍ  .

وهذا حديث شديد الضعف؛ بسبب جهالة وضعف بعض رواته.

فجَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الطُّفَيْلِ، وثقه بعض أهل العلم، لكن ابنته الراوية عنه مجهولة.

والحسن بن كثير، ضعفه الدارقطني.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وهو الحسن بن كثير بن يحيى بن أبي كثير اليمامي -، كما في حديثين آخرين قبله في "المعجم" من رواية محمد بن موسى هذا عنه -، وهو - أعني: الحسن هذا - ضعيف؛ كما قال الدارقطني، ونقله الحافظ في " اللسان " (2/247) " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (14 / 931).

ومحمد بن موسى مجهول.

قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" محمد بن موسى الإصطخري روى له الطبراني في "الصغير" أيضا، ومن المحتمل أنه الذي في "اللسان":

"محمد بن موسى بن إبراهيم الإصطخري: شيخ مجهول، روى عن شعيب بن عمران العسكري خبرا موضوعا، كتبته في ترجمة الراوي عنه محمد بن أحمد ابن محمد بن إدريس البكراوي".

والبكراوي - هذا - لم أجده عنده في "اللسان". والله أعلم! " انتهى من "السلسة الضعيفة" (11 / 479).

ولذا قال نور الدين الهيثمي عن هذا الحديث:

" رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفهم " انتهى من "مجمع الزوائد" (5 / 301).

وإنما يعرف هذا الدعاء من كلام سفيان الثوري رحمه الله تعالى، حيث روى ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1 / 85): حدثنا أبو سعيد الأشج، أخبرنا أبو اسامة، قال: " كثيرا ماكنت أسمع سفيان يقول:

 اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، رَبِّ بَارِكْ لِي فِي الْمَوْتِ، وَفِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ  .

فالحاصل؛ أن هذا الدعاء لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام سفيان الثوري، وليس فيه ما ينكر من حيث المعنى؛ لأن البركة: هي الخير الكثير الثابت.

والعبد الصالح يرغب أن يكون موته على حال يلحقه بسببه الخير الكثير، لأنه آخر عهده بالدنيا.

ومن أوجه بركة الموت أن يكون شهادة يؤجر عليها، أو خاتمة حسنة، أو يكون بالموت نجاة للمسلم من الفتن، كما جاء في حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي   رواه البخاري (6351) ، ومسلم (2680).

ويتمنى أيضا أن يكون حاله بعد الموت فيه كل خير، من غفران الله تعالى ورحمته ورضوانه.

فيجوز الدعاء بهذا أحيانا؛ من غير اعتقاد أنه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ والأولى الاكتفاء بأدعية القرآن والسنة، ففيها الكفاية.

ومن الكتب النافعة وسهلة المطالعة، والتي تعتني بالأدعية الثابتة:

كتاب "الدعاء من الكتاب والسنة" للشيخ سعيد بن على بن وهف القحطاني.

وكتاب "حصن المسلم" للشيخ سعيد أيضا.

وراجعي لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (3064).

والله أعلم.

الأحاديث الضعيفة الدعاء
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب