الحمد لله.
ثانيا :
أما الحديث الذي ورد بشأن أبي بكر أنه يدخل الجنة دون أن يقف للحساب فهو حديث واهٍ
لا يصح ، رواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (2/370) ومن طريقه الخطيب في "المتفق
والمفترق" (2/38) من طريق إبراهيم بن أبي يحيى قال : حدّثنا أبو عمر الضرير عن حماد
بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ( يا عائشة كلّ الناس يحاسبون يوم القيامة إلاّ أبو بكر ) .
وابن أبي يحيى هو المكتب ، رجل مجهول لا يعرف ، ذكره أبو نعيم في " أخبار أصبهان"
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، وخبره منكر ؛ إذ كيف يتفرد بهذا الإسناد النظيف دون
أن يتابعه عليه أحد ؟! ومثل هذا مما يعرف به نكارة الخبر ووهاؤه .
فمن أسباب وقوع النكارة في الأحاديث أن يتفرد به مجهول لا يعرف عند أهل الحديث،
فإذا انفرد بالحديث راوٍ مجهول أنكر أهل العلم حديثه من أجل تفرده .
راجع : "منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث" (2/ 869) ، "الحديث المنكر عند الإمام
أبي حاتم الرازي" – دراسة تطبيقية (ص13) .
وروى ابن الجوزي في "العلل
المتناهية" (1/190) من طريق داود بن صغير قال حدثني كثير النواء عن أنس بن مالك قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قلت لجبريل حين أسري بي إلى السماء : يا
جبريل أعلى أمتي حساب ؟ قال : كل أمتك عليها حساب ما خلا أبا بكر الصديق ، فإذا كان
يوم القيامة قيل له يا أبا بكر ادخل الجنة . قال ما أدخل حتى أدخل معي من كان يحبني
في الدنيا ) .
وقال ابن الجوزي عقبه :
" هذا حديث لا يصح ، وداود بن صغير مجروح قال الخطيب كان ضعيفا ، وقال الدارقطني
منكر الحديث ، وأما كثير النواء فقال النسائي ضعيف " انتهى .
وقال الذهبي في "الميزان" (3/500) في ترجمة محمد بن جعفر البغدادي :
" عن داود بن صغير بخبر كذب ، عن كثير النواء ، عن أنس - مرفوعا: يا جبرائيل، هل
على أمتى حساب ؟ قال: نعم، ما خلا أبا بكر ... ثم إن داود واه " . انتهى .
وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 35 ) وقال : موضوع .
ثالثا :
أما الحديث الآخر الوارد في أن عمر أول من يأخذ كتابه بيمينه : فرواه الثعلبي في
"تفسيره" (2358) ، وابن عساكر في "تاريخه" (30/154) ، والخطيب في "تاريخه" (11/202)
، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1/320) من طريق عمر بن إبراهيم بن خالد حدّثنا مرحوم
بن أرطبان ابن عم عبد الله بن عون قال : حدّثنا عاصم الأحول عن زيد بن ثابت قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أوّل مَنْ يُعطى كتابه بيمينه من هذه الأمّة
عمر بن الخطّاب ، وله شعاع كشعاع الشمس ) فقيل له : فأين أبو بكر؟
قال : ( هيهات هيهات زفّته الملائكة إلى الجنّة ) .
وقال ابن الجوزي عقبه : " هذا حديث لا يصح ، والمتهم به عمر ويعرف بالكردي ".
قال الدارقطني: كان كذابا يضع الحديث " انتهى .
وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 336) وقال :
" والمتهم به عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي " .
وعمر هذا : قال الدارقطني كذاب خبيث ، وقال الخطيب : غير ثقة ، وقال أيضا : يروي
المناكير عن الإثبات ، وقال ابن عقدة : ضعيف .
"لسان الميزان" (4/ 280)
وقد روى ابن أبي عاصم في "كتاب الأوائل" (82) من طريق حَبِيب بْن زُرَيْقٍ، ثنا
ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَن
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أَوَّلُ مَنْ يُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ " وهذا حديث موضوع ، آفته حبيب بن زريق ، قال أبو
حاتم: روى عن ابن أخي الزهري أحاديث موضوعة .
وقال أبو داود : كان من أكذب الناس.
وقال ابن عدى : أحاديثه كلها موضوعة.
"ميزان الاعتدال" (1 /452) .
أما قوله عن أبي بكر رضي الله عنه : " ومن أخبركم أن له كتابا ؟ " فلا نعلم له أصلا
في شيء من الروايات .
وينظر جواب السؤال رقم (174528)
.
والله تعالى أعلم .