الأحد 24 ذو الحجة 1445 - 30 يونيو 2024
العربية

له دين على زوجته، فهل يدفع الزكاة لها مع علمه أنها ستسدد دينه من هذا المال؟

508379

تاريخ النشر : 04-06-2024

المشاهدات : 472

السؤال

وجدت على موقعكم فتوى رقم: (130171) إنه يجوز للزوج أن يقضي الدين عن زوجته من مال زكاته، ولكن هل يجوز أن أفعل ذلك، إذا كانت زوجتي استدانت مني أنا شخصيا مبلغا من المال لشأن خاص بها؟ وقد اتفقت معي على سداد دينها لي مقسما على عدة أشهر، وهى تجتهد للوفاء، ولكن السداد فعلا ثقيل عليها، ويضغطها ماديا، فهل يجوز من ضمن زكاتي أن أتنازل لها عن المبلغ المتبقي، أو اعطيها هذا المبلغ على أن تسدده هي لي؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا كانت زوجتك تستطيع سداد الدين مقسطا، لم يجز إعطاؤها من الزكاة؛ لأن الغارم إنما يأخذ من الزكاة إذا عجز عن الوفاء.

قال في "كشاف القناع" (5/ 146): " (مَن غَرِم لإصلاح نفسه، في مباح) = ‌كمن ‌استدان ‌في ‌نفقة ‌نفسه ‌وعياله، أو كسوتهم ... = فيأخذ) الغارم لنفسه، (إن كان عاجزًا عن وفاء دينه. ويأخذ هو) أي: الغارم لنفسه.

(ومن غَرِمَ لإصلاح ذات البين، ولو قبل حلول دينهما) لظاهر خبر قَبيصة السابق.

وقِيسَ عليه الغارم لنفسه " انتهى.

ثانيا:

من كان له دَين على آخر، وعجز المدين عن سداد الدين، فليس لصاحب الدين أن يسقطه عنه بنية الزكاة؛ لأن الزكاة إعطاءٌ وتمليك، لا إسقاط وإبراء، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء.

ويجوز أن يعطيه المال ليسدد دينه من غير أن يشترط عليه، ولا أن يتواطأ معه، وإنما يعطيه، فإن سدد الدين أو بعضه من ذلك المال: فلا حرج.

قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/196) : " إذا كان لرجل على مُعْسِرٍ دين، فأراد أن يجعله عن زكاته، وقال له : جعلته عن زكاتي:

فوجهان، حكاهما صاحب البيان :

( أصحهما ) لا يجزئه. وبه قطع الصيمري، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد؛ لأن الزكاة في ذمته، فلا يبرأ إلا بإقباضها.

( والثاني ): يجزئه. وهو مذهب الحسن البصري وعطاء؛ لأنه لو دفعه إليه، ثم أخذه منه: جاز؛ فكذا إذا لم يُقبضه ...

أما إذا دفع الزكاة إليه، بشرط أن يردها إليه عن دَينه: فلا يصح الدفع، ولا تسقط الزكاة بالاتفاق، ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق " انتهى.

وقال البهوتي في "كشاف القناع" (5/ 163): "

(و) يجوز -أيضًا- دَفْعُ الزكاة (إلى غريمه) لأنه من جملة الغارمين (ليقضي) بها (دينه، سواء ‌دَفَعَها ‌إليه ‌ابتداءً) قبل الاستيفاء (أو استوفى حقه، ثم دفعها إليه ليقضي دَينَ المقرِض، ما لم يكن حِيلة، نصًّا). قال أحمد: إن كان حيلة فلا يعجبني، ونقل عنه ابن القاسم: إن أراد الحيلة، لم يصلح، ولا يجوز. (وقال أيضًا: إن أراد إحياء ماله، لم يَجُز.

وقال القاضي وغيره: معنى الحيلة، أن يُعطيه بشرط أن يردَّها عليه من دينه؛ لأن مِنْ شَرْطِها: تمليكًا صحيحًا، فإذا شرط الرُّجوعَ، لم يوجد).

وقال في "المغني" و"الشرح": إنه حصل من كلام أحمد: إذا قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه، لم يجز؛ لأن الزكاة حق الله؛ فلا يجوز صرفها إلى نفعه.

(وإن ردَّ الغريم من نفسه ما قبضه، وفاء عن دينه من غير شرط، ولا مواطأة: جاز) لربِّ المال (أخذه من دينه) لأنه بسبب متجدد، كالإرث والهبة". انتهى.

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : " إذا كان لك دين عند مريض أو فقير معسر، فهل لك أن تسقطه عنه من الزكاة ؟

فأجاب: لا يجوز ذلك ؛ لأن الواجب إنظار المعسر حتى يسهل الله له الوفاء.

ولأن الزكاة إيتاء وإعطاء ، كما قال الله سبحانه : ( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ )؛ وإسقاط الدين عن المعسر ليس إيتاءً ولا إعطاء، وإنما هو إبراء.

ولأنه يقصد من ذلك وقاية المال، لا مواساة الفقير .

لكن يجوز أن تعطيه من الزكاة من أجل فقره وحاجته، أو من أجل غرمه، وإذا رد عليك ذلك، أو بعضه، من الدين الذي عليه: فلا بأس؛ إذا لم يكن ذلك عن مواطأة بينك وبينه ولا شرط ، وإنما هو فعَل ذلك من نفسه .

وفق الله الجميع للفقه في الدين، والثبات عليه " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (14/280).

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أقرضت صديقاً لي فعجز عن السداد وهو فقير، فهل يصح أن أجعل ذلك من الزكاة، فأسقطه عنه بنية كونه من الزكاة؟

فأجاب: " لا يصح أن يسقط الإنسان عن المعسر من دينه شيئاً، ويحتسبه من الزكاة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا يجزئ الدين عن زكاة العين، بلا نزاع.

وهذا واضح؛ لأن من أخرج الدين عن العين، فهو كمن أخرج الرديء عن الطيب أو عن الجيد، لأن الدين ذاهب، والمال الذي بيدك: بيدك، وتحت تصرفك. فمثلاً إذا كان عندك مائة ألف ريال كم زكاتها؟ ربع العشر ألفان وخمسمائة ريال، وكان لك عند رجل فقير ألفان وخمسمائة، فقلت: يا فلان! ما في ذمتك هو زكاة، فهل أخرجته؟ فيصير المال الذي عليك أسقطت به ديناً، والمال الذي عندك عين تتصرف فيه، فيؤدي هذا إلى أنه كلما عجزنا عن الديون جعلناها هي الزكاة ولم نؤد شيئاً، ثم إن الزكاة فيها أخذ وإعطاء خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، والإبراء ما فيه أخذ ولا إعطاء.

وخلاصة الجواب: أنه لا يصح أن تسقط عن الفقير شيئاً من دينه وتحتسبه من الزكاة" انتهى من "جلسات رمضانية" الدرس 21.

وعليه؛ فإن كانت زوجتك تستطيع سداد الدين من راتب، أو بيع شيء زائد عن حاجتها، مما تملكه هي من أرض أو عقار أو غير ذلك: لم يجز دفع الزكاة لها.

فإن عجزت عن سداد الدين، جاز أن تعطيها ما تسدد بها الدين، من غير أن تشترط عليها، أو تواطئها عليه، أو تحتال بذلك لوقاية مالك.

ولو أنك أنظرتها إلى حين ميسرة، أو أسقطت عنها، إكراما لها، وحسنَ عشرة وترفُّقٍ بها، لكان خيرا لك، وأعظم بركة.

قال الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ البقرة/280.

وقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:  مَنْ ‌أَنْظَرَ ‌مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ: أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ  رواه مسلم (3014) من حديث أبي اليسر، رضي الله عنه.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب