الجمعة 24 شوّال 1445 - 3 مايو 2024
العربية

اقترض من والده ثم صار ينفق عليه، فهل هذا ربا؟

490868

تاريخ النشر : 20-03-2024

المشاهدات : 292

السؤال

استدنت من والدي مبلغاً لبدء مشروع تجاري، ثم بعد انطلاق المشروع بدء والدي بالعمل معي فيه، ولكون والدي أصبح يعمل معي أصبحت أنا المسؤول عن مصروف منزل والداي ومنزلي، وبقى المبلغ الذي استندته في البداية معتبراً كدين علي، وأقوم كل فترة بدفع مبلغ بسيط من هذا الدين لوالدي، فهل في هذه الحالة يكون مصروفي في منزل والداي رباً لوالدي؟ أم إنه تجب علي النفقة على والداي؟ أم إن والدي أصبح شريكا في العمل، علماً أن المشروع التجاري هذا اعتبر أنا صاحبه؟ وإذا بلغ المبلغ النصاب هل تجب علي الزكاة فيه أم لا؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

ما دام المبلغ حسب قولك كان (دَيْنًا) فلا يكون والدك شريكا لك في العمل ، لأنه لم يتم بينكما اتفاق على الشركة ، وإنما اتفقتما على القرض .

ثانيا :

إذا كنت قد أنفقت هذا المبلغ فلا زكاة فيه .

أما إذا كان المبلغ في حوزتك ، أو كان عملك تجاريا، وهذا المبلغ وضع في عروض هذه التجارة – السلع التي تتاجر فيها - وبلغ نصابا بنفسه ، أو بما ينضم إليه من الأموال التي معك أو الفضة أو الذهب أو عروض التجارة : ففيه الزكاة ، كلما حال عليه الحول .

هذا بالنسبة للمبلغ الذي اقترضته .

ثالثا :

لا يجوز للمقترض أن يعطي هدية للمقرض لأن هذا يدخل في الربا ، فإن من القواعد التي اتفق عليها العلماء "أن كل قرض جر نفعا فهو ربا" فلا يجوز للمقرض أن ينتفع من المقترض بشيء.

قال ابن قدامة رحمه الله: " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا. وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة...

وإن شرط أن يؤجره داره بأقل من أجرتها، أو على أن يستأجر دار المقرض بأكثر من أجرتها، أو على أن يهدي له هدية، أو يعمل له عملا، كان أبلغ في التحريم.

وإن فعل ذلك من غير شرط قبل الوفاء، لم يقبله، ولم يجز قبوله، إلا أن يكافئه، أو يحسبه من دينه، إلا أن يكون شيئا جرت العادة به بينهما قبل القرض؛ لما روى الأثرم أن رجلا كان له على سمّاك عشرون درهما ، فجعل يهدي إليه السمك ، ويقومه حتى بلغ ثلاثة عشر درهما، فسأل ابن عباس فقال: أعطه سبعة دراهم.

وعن ابن سيرين، أن عمر أسلف أُبي بن كعب عشرة آلاف درهم، فأهدى إليه أبي بن كعب من ثمرة أرضه، فردها عليه، ولم يقبلها، فأتاه أُبي فقال: لقد علم أهل المدينة أني من أطيبهم ثمرة، وأنه لا حاجة لنا، فَبِم منعت هديتنا؟ ثم أهدى إليه بعد ذلك، فقبل.

وعن زِر بن حبيش، قال: قلت لأبي بن كعب: إني أريد أن أسير إلى أرض الجهاد إلى العراق. فقال: إنك تأتي أرضا فاش فيها الربا، فإن أقرضت رجلا قرضا، فأتاك بقرضك ومعه هدية، فاقبض قرضك، واردد عليه هديته. رواهما الأثرم.

وروى البخاري، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: قدمت المدينة، فلقيت عبد الله بن سلام. وذكر حديثا. وفيه: ثم قال لي: إنك بأرض فيها الربا فاش، فإذا كان لك على رجل دين، فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت، فلا تأخذه، فإنه ربا" انتهى من "المغني" (6/ 436).

ولكن عدم جواز الهدية من المقترض للمقرض مقيد بما إذا لم تكن قد جرت العادة قبل القرض أنه يهدى إليه ، لأن الهدية حينئذ لا تكون بسبب القرض ، بل بسبب ما بينهما من صلة سابقة على القرض ، كما في كلام ابن قدامة السابق .

ومن المعلوم أنه يجب عليك أن تنفق على والدك إذا كان محتاجا ، سواء كان أقرضك أم لا ؟

قال ابن المنذر : "أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد" انتهى . ينظر: "المغني" (11/372) .

وإذا كان الوالد غنيا ، فإنه من المستحب لك أن تنفق عليه وتحسن إليه ، للأدلة الكثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية التي تحث على الإحسان إلى الوالدين ، قال الله تعالى : (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) الإسراء/83.

وعلى هذا ، فلا تكون نفقتك على والدك من باب القرض الذي جر نفعا ، بل هي من باب الإحسان والبر بالوالدين.

لكن ينبغي الانتباه إلى أمرين هنا:

الأول: أن ينبغي أن تنظر في عمل والدك معك؛ فإن كان متبرعا بذلك، كما هي عادة كثير من الآباء، يعمل في تجارة ابنه، أو عمله ما كان، رغبة في إصلاح، وتمير مال ولده، ولا يريد أن يأخذ مقابلا لذلك، ولا يقبله، لو عرضه عليه الولد.

وأما إن دلت القرينة على أنه يريد مقابلا لعمله، فله أجرته على ذلك، أو له في العمل نصيب مثله، إن كان مثله يعمل بسهم من العمل؛ فانظر في ذلك الأمر، واحذر أن يكون الأب راغبا في أجرة عمله، وجهده، وربما منعه الحياء أو مقامه من طلب ذلك منك.

وإن ترددت، فالأصل عدم التبرع، واعرض عليه أجرته، أو ألح عليه بها؛ لتطمئن نفسك، وتطيب نفس والدك.

الثاني: احذر أن تكون نيتك أنك تنفق على والدك حتى لا يطالبك بالدين ، فإنك بذلك تضيع على نفسك ثواب الإحسان إلى الوالد وبره ، وتوقع نفسك في شيء محرم بسبب تلك النية ، فإنها تحول القرض إلى قرض ربوي في حقك .

فاجتهد في الإحسان إلى والدك ، وعجل بأداء الدين إليه إذا استطعت ذلك ، فإن تعجيل سداد الدين أمر مطلوب شرعا .

واجتهد في إخلاص النية عند النفقة على الوالد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا ، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك)، أَيْ: فِي فَمِهَا رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب