السبت 10 ذو القعدة 1445 - 18 مايو 2024
العربية

هل تنشر قصة توبتها وما فعلت من أخطاء ليستفيد منها الناس؟

479824

تاريخ النشر : 20-03-2024

المشاهدات : 651

السؤال

ارتكبت في حياتي أخطاء كبيرة، إن علم بها أحد لهويت لولا ستر الله وفضله علي، ولكن حديثا بدأت أفكر بنشر قصتي ـ طبعا دون تفاصيل، أو ما يدل على هويتي ـ لعل أحدا يستفيد منها، خصوصا إني أرى العديد من الشباب على طريقي، إن لم يكونوا قد وقعوا بالفعل، فهل يجوز لي ذلك، أم إنه يعتبر من الفضيحة؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

نحمد الله سبحانه أن هداك ووفقك لطريق التوبة، ونسأله سبحانه أن يتم عليك نعمته وعافيته، وأن يرزقك الثبات على التقوى والرشاد، فأكثري من ذكر الله وشكره، ومن قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله" فإن القلوب كلها بين يديه سبحانه يهدي إليه من يشاء، ويهدي إليه من أناب.

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحضر هذا المعنى دائما؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ: لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ رواه البخاري (7391).

وعن شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ: يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ .

قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ مَا لِأَكْثَرِ دُعَائِكَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ؟

قَالَ:  يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ  رواه الترمذي (3522)، وقال: "حديث حسن". 

ثانيًا:

الأصل في المجاهرة بالذنب أنها محرمة، وقد سبق ذكر حكم ذلك في جواب السؤال رقم: (3365).

لكن يستثنى من هذا الأصل حالات مثل أن يكون في ذكر الذنب مصلحة راجعة، وقد ضربنا أمثلة لذلك في جواب السؤال رقم: (235519).

ثالثا:

لا يظهر لنا أنه يجوز لك أن تكتبي قصتك، وما ألممت به من ذنب ؛ حتى ولو بقصد النصيحة، وتوعية من يسيرون على نفس الطريق، ويوشكون أن يقعوا كما وقعت؛ لا نرى لك أن تفعلي ذلك، ولا أن هذا رخصة لك فيه؛ فما أكثر ما يرى الناس من أمثال هذه القصص، بصورة مختلفة، كما يرون قصص القتل والسرقة ... وسائر المنكرات؛ ثم هم مع ذلك: منهمكون، لا يتوبون، ولا هم يرجعون!!

ثم إن الاحتمال قائم أن يهتدي إلى معرفتك، ولو واحد من الناس، كما أن الإنسان يقع في النسيان والغفلة فلربما تذكر جزئية خاصة في تلك القصة، ثم يصرح في سياق آخر بحدوث ذلك التفصيل له؛ فيتم الربط بين القصة التي عميت فيها عن نفسك، وبين ما حدث.

وبكل حال؛ فالاحتمال قائم أن تكون تلك القصص والأحداث التي تروينها سببا لفضيحتك، وقد ستر الله عليك؛ والعاقل لا يغرر بنفسه وعرضه، كل هذا التغرير؛ لأجل مصلحة متوهمة.

وتتأكد خطورة هذا المسلك إذا كان في ذنوبك شيء من الفواحش التي يتشوف إليها الشباب؛ فإن ذكر ذلك وإشاعته مفسدة غالبة.

ومن لم تكفه مواعظ القرآن، وزواجره، لن ترده عن الفواحش: أخبار الناس، وقصصهم، ومآل أمورهم.

عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَا عَلَيْهِمْ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَصَصْتَ عَلَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينَ [يوسف: 1] إِلَى قَوْلِهِ: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف: 3] فَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ حَدَّثْتَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا [الزمر: 23] الْآيَةَ، كُلُّ ذَلِكَ يُؤْمَرُونَ بِالْقُرْآنِ» قَالَ خَلَّادٌ: وَزَادَ فِيهِ حِينَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكِّرْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد: 16].

رواه ابن حبان (6209)، وقال الأرناؤوط في تعليقه عليه: "إسناده قوي". وقال الألباني: "صحيح".

يقول العلامة الطاهر ابن عاشور: "لشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو بالكذب مفسدة أخلاقية؛ فإن مما يزع الناس عن المفاسد: تهيبهم وقوعَها، وتجهمهم، وكراهتهم سوء سمعتها، وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها، بله الإقدام عليها رويدا رويدا، حتى تُنسى، وتنمحي صورها من ‍النفوس، فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش، تذكرتها الخواطر، وخف وقع خبرها على الأسماع؛ فدب بذلك إلى ‍النفوس التهاون بوقوعها، وخفة وقعها على الأسماع؛ فلا تلبث ‍النفوس الخبيثة أن تقدم على اقترافها. وبمقدار تكرر وقوعها، وتكرر الحديث عنها: تصير متداولة.

هذا إلى ما في إشاعة الفاحشة من لحاق الأذى والضر بالناس، ضرا متفاوت المقدار، على تفاوت الأخبار في الصدق والكذب" انتهى، من "التحرير والتنوير" (18/185).

ويقول العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في جواب سؤال: "الذي أرى وجوب حجبها ]أي قصص التائبين[، وأرى أن التي تابت لا يجوز لها أن تبوح بذلك، ولا يجوز لأحد أن ينشر هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون، قالوا: من هم؟ قال: الرجل يذنب فيصبح بتحدث بما فعل).

أي فائدة أن نقول: فتاة خرجت مع شاب وفعل بها ثم ندمت وتابت؟

أليس هذا يوجب أن يهون الأمر في نفوس السامعين والقارئين؟

ولهذا نرى أن هذا الاجتهاد خاطئ جداً، وغلط، ولا يجوز.

وأما ما ذكر الله تعالى في خطيئة آدم، وتفسيرها، وما أشبه ذلك، فهذا ذكره الله عز وجل، وله أن يفعل ما يشاء، أما أن نفضح عباد الله، ثم نوجب أن نهون الأمر عليهم.

أتدرون أن هذا الأمر أول ما يسمعه الإنسان: امرأة خرجت مع شخص وفعل بها، يستعظم جداً جداً ويقشعر جلده ويقف شعره، فإذا صار بين أيدي الناس يُقرأ، هان جداً، وهل كل امرأة تفعل هذا الشيء يمن الله عليها بالتوبة؟! ربما تفعله ولا تتوب.

ولهذا أرى أنك إذا رأيت مثل هذا، فقص الورقة التي فيها هذه القصة، وإلا اطمسها كلها طمساً تاماً، والحمد لله، لو فات عليك خمسة ريالات في المزيل فهذا لا يضر" انتهى، من "لقاء الباب المفتوح" (100/26).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب