الخميس 23 شوّال 1445 - 2 مايو 2024
العربية

ما حكم اشتراط عقد في عقد، كبيع في بيع أو بيع في إجارة؟

474293

تاريخ النشر : 03-01-2024

المشاهدات : 1387

السؤال

هل يجوز أن أشترط على صديقي بأن أقول له: أبيعك سيارتي عليك على أن تبيع سيارتك لصديق آخر لي، علما أن الأمر سيكون بالتراضي، وكلا السيارتين بالتقسيط، وأقول سأساعدك بالسعر إذا ساعدت صديقي؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قولك: أبيعك سيارتي، على أن تبيع سيارتك لصديقي: هو من اشتراط عقد في عقد، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:

الأول: أنه لا يجوز اشتراط عقد معاوضة في عقد معاوضة، كبيع في بيع، أو بيع في إجارة، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة.

القول الثاني: جواز اشتراط البيع في البيع، أو البيع في الإجارة، ومنع اشتراط عقود معينة في البيع، وهي: الجعالة والصرف والمساقاة والشركة والقراض، ولا يجوز كذلك اشتراط عقد منها مع الآخر، وهذا مذهب المالكية.

القول الثالث: جواز اشتراط عقد معاوضة في عقد معاوضة، كالبيع في البيع، وهو قول بعض المالكية، وبعض الحنابلة، واختاره ابن تيمية وابن القيم.

وعلى هذا فاشتراط بيع في بيع جائز على القول الثاني والثالث.

وينظر: "المبسوط" (13/ 16)، و"شرح الخرشي على خليل" (5/ 40)، "المجموع" (9/ 341)، "المغني" (4/ 176)، "العقود" لابن تيمية ص189، "إعلام الموقعين" (5/42).

وينظر تفصيل الخلاف في ذلك في: "العقود المالية المركبة"، للدكتور عبد الله بن محمد العمراني، ص98-116

ثانيا:

استدل المانعون بالنهي عن بيعتين في بيعة، وأن ذلك يشمل اشتراط عقد في عقد، والنهي يقتضي الفساد.

روى أحمد (9584)، والنسائي (4632)، والترمذي (1231) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ" وصححه الألباني في "صحيح النسائي".

ورواه أبو داود (3461) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا وحسنه الألباني.

قال ابن قدامة رحمه الله: "وقد روى أبو هريرة قال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين في بيعة ، أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وروي أيضا عن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهكذا كل ما كان في معنى هذا مثل أن يقول بعتك داري هذه على أن أبيعك داري الأخرى بكذا أو على أن تبيعني دارك أو على أن أؤجرك أو على أن تؤجرني كذا أو على أن تزوجني ابنتك أو على أن أزوجك ابنتي ونحو هذا فهذا كله لا يصح. قال ابن مسعود الصفقتان في صفقة ربا وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور العلماء، وجوزه مالك" انتهى من "المغني" (4/176).

وأجاب المجيزون بأن المراد بالحديث: بيع العينة؛ بدليل قوله في رواية أبي داود: (فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا)، فجعل الأمر مترددا بين ثمن أقل، أو الربا، وهذا لا يكون إلا في العِينة، وهي أن يبيعه سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها منه بثمن حال أقل، أو أن يبيعها بثمن حال، ثم يشتريها منه بثمن مؤجل أزيد.

قال ابن القيم رحمه الله: "وفُسّر بأن يقول: خذ هذه السلعة بعشرة نقدا، وآخذها منك بعشرين نسيئة، وهي مسألة العينة بعينها، وهذا هو المعنى المطابق للحديث، فإنه إذا كان مقصوده الدراهم العاجلة بالآجلة فهو لا يستحق إلا رأس ماله، وهو أوكس الثمنين، فإن أخذه أخذ أوكسهما، وإن أخذ الثمن الأكثر فقد أخذ الربا، فلا محيد له عن أوكس الثمنين أو الربا، ولا يحتمل الحديث غير هذا المعنى، وهذا هو بعينه الشرطان في بيع... " انتهى من "حاشيته على تهذيب سنن أبي داود" (9/295) مطبوع مع عون المعبود.

واستدل المانعون كذلك بالنهي "عن بيع وشرط" رواه الطبراني في "الأوسط" (3/211).

وينظر: "الموسوعة الفقهية" (9/271).

لكن الحديث ضعيف لا يحتج به.

قال النووي في "المجموع" (9/368): "غريب" انتهى.

وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (491): "ضعيف جدا" انتهى.

ثالثا:

استدل المجيزون بأن الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه، واشتراط عقد معاوضة في عقد معاوضة مما لم يرد دليل على تحريمه، فيبقى على أصل الإباحة.

 واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِم رواه أبو داود (3594) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".

واشتراط عقد في عقد يدخل في عموم الحديث، فلو اشترطاه لزم الوفاء بالشرط.

رابعا:

لا فرق بين أن يقول: أبيعك كذا على أن تبيعني كذا، وبين أن يقول: أبيعك كذا على أن تبيع صديقي كذا، فهو من نفس الباب أي اشتراط عقد في عقد.

وقد جاء ما يدل على اشتراط عقد يخص الغير:

ما روى أبو داود (3932) عَنْ سَفِينَةَ، قَالَ: " كُنْتُ مَمْلُوكًا لِأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: أُعْتِقُكَ وَأَشْتَرِطُ عَلَيْكَ أَنْ تَخْدُمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عِشْتَ فَقُلْتُ: وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِطِي عَلَيَّ مَا فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عِشْتُ فَأَعْتَقَتْنِي، وَاشْتَرَطَتْ عَلَيَّ" وحسنه الألباني.

فهذا اشتراط بذل منفعة للغير.

قال شيخ الإسلام: " وإذا شرط البائع ‌نفع ‌المبيع ‌لغيره مدة معلومة -فمقتضى كلام أصحابنا جوازه؛ فإنهم احتجوا بحديث أم سلمة: "أنها أعتقت سفينة وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش. واستثناء خدمة غيره في العتق كاستثنائها في البيع" انتهى، من "الأختيارات الفقهية"، جمع البعلي (124).

خامسا:

الراجح في هذه المسألة جواز اشتراط عقد في عقد، ما لم يكن حيلة على الربا، كبيع العينة.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فالقول الصحيح أنه إذا شرط عقدا في البيع فإن الشرط صحيح والبيع صحيح إلا في مسألتين ... الأولى: إذا شرط قرضا ينتفع به، فهنا لا يحل لأنه قرض جر نفعا فيكون ربا.

الثانية: أن يكون حيلة على الربا " انتهى مختصرا من "الشرح الممتع" (8/239).

وينظر: "المعاملات المالية"، للشيخ أبي عمر الدبيان (5/380).

وعليه: فلا حرج أن تبيع سيارتك، على أن يبيع المشتري سيارته لصديقك.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب