السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

ما حكم جلوس المحرم في مكان مطيّب؟

427664

تاريخ النشر : 31-05-2023

المشاهدات : 3691

السؤال

كان الفندق الذي كنت ابيت فيه أثناء عمرتي معطرًا،أي كنت اشتم رائحة العطر أو معطر جو على الأثاث والأريكة والوسادة التي أنام عليها،فوضعت بيني وبين وسادتي خرقة لكي لا تفسد الرائحة علي احرامي،هل في هذا الأمر شيء يوجب علي التكفير عنه؟،علمًا بأنني لم اقدر على فعل شيء إزاء هذه العطور أو ملطفات الجو التي في الغرف

الجواب

الحمد لله.

يجب على المحرم أن يجتنب تطييب بدنه وثوبه.

روى البخاري (366) ومسلم (1177) عَنِ ‌ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ( سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلَا وَرْسٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" قوله صلى الله عليه وسلم: ( وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، وَلَا الْوَرْسُ ):

أجمعت الأمة على تحريم لباسهما، لكونهما طيبا. وألحقوا بهما جميع أنواع ما يقصد به الطيب.

وسبب تحريم الطيب: أنه داعية إلى الجماع، ولأنه ينافي تذلل الحاج؛ فإن الحاج أشعث أغبر، وسواء في تحريم الطيب الرجل والمرأة " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (8/ 75).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" المحظور الخامس من المحظورات وهو الطيب، وليس كل ما كان زكي الرائحة يكون طيبا، فالطيب ما أعد للتطيب به عادة، وعلى هذا فالتفاح والنعناع وما أشبه ذلك مما له رائحة زكية تميل إليها النفس لا يكون طيباً، إنما الطيب ما يستعمل للتطيب به، كدهن العود والمسك والريحان والورد وما أشبه ذلك، هذا لا يجوز للمحرم استعماله.

والدليل على ذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ( لَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ، أَوِ الْوَرْسُ )، والزعفران طيب.

لكن قد يقول قائل: الزعفران أخص من كونه طيباً؛ لأنه طيبٌ ولون، ونحن نقول إن الطيب بأي نوع كان يحرم على المحرم.

وجوابه: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال في الذي وقصته ناقته في عرفة ( لَا تُحَنِّطُوهُ )، وتحنيط الميت أطياب مجموعة تجعل في مواضع من جسمه، وهذا عام لكل طيب، وقال: ( فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا )، وهذا دليل على أن المحرم لا يجوز استعماله للطيب...

والطيب هنا يشمل الطيب في رأسه، وفي لحيته، وفي صدره، وفي ظهره، وفي أي مكان من بدنه، وفي ثوبه أيضاً... " انتهى. "الشرح الممتع" (7 / 137).

ويلحق بالثوب أن يجلس أو ينام على فراش مطيب.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (23/ 225):

" ويلتحق بالثياب الجلوس على فراش مزعفر أو مطيب بزعفران. ولا يضع عليه ثوبا مزعفرا، ولو علق بنعاله زعفران أو طيب وجب أن يبادر إلى نزعه " انتهى.

فإذا فرش المحرم بينه وبين الفراش المطيب ثوبا فلا حرج في هذه الحال أن يجلس أو ينام عليه.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" ولو جلس على ‌فراش ‌مطيّب أو أرض مطيّبة أو نام عليها ، مفضيا إليها ببدنه أو ملبوسه: لزمته الفدية.

ولو فرش فوقه ثوبا ، ثم جلس عليه أو نام : لم تجب الفدية، نص عليه الشافعي في "الأم" واتفق عليه الأصحاب.

لكن إن كان الثوب رقيقا كره، وإلا فلا " انتهى. "المجموع" (7 / 272 – 273).

وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" فأما إن فرش فوق الثوب ثوبا صفيقا يمنع الرائحة والمباشرة، فلا فدية عليه بالجلوس والنوم عليه.

وإن كان الحائل بينهما ثياب بدنه، ففيه الفدية؛ لأنه يُمنع من استعمال الطيب في الثوب الذى عليه، كمنعه من استعماله فى بدنه " انتهى. "المغني" (5 / 144).

وأما الدخول إلى غرفة مطيبة، فإنه لا حرج على المحرم في هذا إن كان في حاجة إليها ولم يقصد التمتع بشم عطرها.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" .. لا يقصد شمه من غيره بفعل منه، نحو أن يجلس عند العطارين لذلك، أو يدخل الكعبة حال تجميرها، ليشم طيبها، أو يحمل معه عقدة فيها مسك ليجد ريحها...  

فأما شمه من غير قصد، كالجالس عند العطار لحاجته، وداخل السوق، أو داخل الكعبة للتبرك بها، ومن يشترى طيبا لنفسه أو للتجارة، ‌ولا ‌يمسه: فغير ممنوع منه؛ لأنه لا يمكن التحرز من هذا، فعفى عنه، بخلاف الأول " انتهى. "المغني" (5 / 150).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" وهذه المسألة لها ثلاث حالات:

الحال الأولى: أن يشمه بلا قصد.

الحال الثانية: أن يتقصد شمه، لكن لا للتلذذ به أو الترفه به، بل ليختبره، هل هو جيد أو رديء؟

الحال الثالثة: أن يقصد شمه للتلذذ به، فالقول بتحريم الثالثة وجيه، وهذه فيها خلاف: فقال بعض العلماء: إن شم الطيب ليس حراماً، ولا شيء فيه؛ لأنه لم يستعمله...

وأما القول بتحريم الثانية فغير وجيه، بل الشم جائز، أما الأولى فلا تحرم، قولاً واحداً، ومن ذلك ما يحصل للإنسان إذا كان يطوف فإنه يشم رائحة الطيب الذي في الكعبة، وقد رأينا بعض الناس يصبون الطيب صباً على جدار الكعبة، ومثل هذا لا بد أن يفوح له رائحة، ولكن لا يؤثر على المحرم... " انتهى. "الشرح الممتع" (7 / 139 - 140).

فالحاصل؛ أنه لا شيء عليك ما دمت قد جعلت حائلا بينك وبين الوسادة المطيبة، ولم تتقصّدي شم هذه الرائحة وإنما دخلت إلى مكانها لحاجتك إليه، إلا إن كان الفراش الذي نمت عليه أو جلست عليه بلا حائل مطيبًا أيضا ؛ ففي هذه الحال عليك الفدية كما مرّ في النقول السابقة.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب