السبت 18 شوّال 1445 - 27 ابريل 2024
العربية

إذا عاقب الله تعالى عبدا، فهل يمكن أن يزيل هذه العقوبة؟ وكيف ذلك؟

422284

تاريخ النشر : 26-05-2023

المشاهدات : 3666

السؤال

هل العقوبة إذا نزلت بعبد هل الله يرفعها، وإذا نعم كيف يرفعها؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

المتبادر من السؤال أن المراد بالعقوبة العقوبة الدنيوية، فإذا كان هذا المقصود فمن المعلوم أن هذه العقوبات إنما تنزل بسبب معصية العبد لله تعالى بترك أمره، أو عدم اجتناب نهيه.

قال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ  الشورى/30.

وبناء على ذلك؛ فإن السبيل لرفع العقوبات النازلة يكون بالتوبة والاستغفار.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" قد دلت نصوص الكتاب والسنة: على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب:

أحدها: التوبة وهذا متفق عليه بين المسلمين...

السبب الثاني: الاستغفار كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا أذنب عبد ذنبا فقال: أي رب أذنبت ذنبا فاغفر لي، فقال: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ... )، وفي صحيح مسلم عنه أنه قال: ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم )... " انتهى. "مجموع الفتاوى" (7 / 487 – 488).

وقال العباس رضي الله عنه : (ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يكشف إلا بتوبة) .

انظر : "التوسل" للألباني (ص62) .

والتائب المستغفر من المؤمنين العاملين للصالحات فهو موعود بالحياة الطيبة التي من لوازمها خلوها من آثار العقوبات وأحزانها.

قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ النحل /97.

قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

" واختلف العلماء في المراد بالحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة...

وفي الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بالحياة الطيبة في الآية: حياته في الدنيا حياة طيبة؛ وتلك القرينة هي أننا لو قدرنا أن المراد بالحياة الطيبة: حياته في الجنة في قوله: ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً )، صار قوله: ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ )، تكرارا معه؛ لأن تلك الحياة الطيبة هي أجر عملهم، بخلاف ما لو قدرنا أنها في الحياة الدنيا؛ فإنه يصير المعنى: فلنحيينه في الدنيا حياة طيبة، ولنجزينه في الآخرة بأحسن ما كان يعمل، وهو واضح.

وهذا المعنى الذي دل عليه القرآن تؤيده السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت.

وقد روي عن ابن عباس وجماعة: أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه فسرها بالقناعة، وكذا قال ابن عباس وعكرمة، ووهب بن منبه - إلى أن قال - وقال الضحاك: هي الرزق الحلال، والعبادة في الدنيا. وقال الضحاك: هي الرزق الحلال، والعبادة في الدنيا. وقال الضحاك أيضا: هي العمل بالطاعة والانشراح بها.

والصحيح: أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله... " انتهى من "أضواء البيان" (3 / 423 - 424).

والتائب متق لله تعالى، فهو موعود بالمخرج من العقوبات النازلة بسبب ذنوبه.

قال الله تعالى:

( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) الطلاق (2).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وهذه الآية عامة في كل من يتقي الله ... وإن هداه الله فعرفه الحق، وألهمه التوبة، وتاب: فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وحينئذ فقد دخل فيمن يتقي الله، فيستحق أن يجعل الله له فرجا ومخرجا، فإن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، ونبي الملحمة. فكل من تاب فله فرج في شرعه "انتهى من "مجموع الفتاوى" (33 / 34 – 35).

وهذا المخرج الذي يجعله الله للعبد متنوع لسعة كرم الله تعالى ولطفه وقدرته وحكمته، فإحصاء هذه المخارج وعدّها يعجز عنه العبد.

لكن من أمثله ذلك:

أن من العقوبات ما يُرفع بالتوبة والاستغفار، كمن يعاقبون بالجدب والقحط، فيرفع الله هذه العقوبة بإنزال المطر وإحياء الأرض بأنواع النبات والرزق، وكذا يرفع عقوبة المرض بالشفاء والعافية، ونحو هذا.

كما في قول الله تعالى:

وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ  هود/52.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: " فالكُفّارُ والمُنافِقُونَ إذا أصابَتْهُمْ المَصائِبُ بِذُنُوبِهِمْ تَطَيَّرُوا بِالمُؤْمِنِينَ فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحانَهُ أنَّ الحَسَنَةَ مِن اللَّهِ يُنْعِمُ بِها عَلَيْهِمْ وأنَّ السَّيِّئَةَ إنّما تُصِيبُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ولِهَذا قالَ تَعالى: وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأنْتَ فِيهِمْ وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فَأخْبَرَ أنَّهُ لا يُعَذِّبُ مُسْتَغْفِرًا؛ لِأنَّ الِاسْتِغْفارَ يَمْحُو الذَّنْبَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ العَذابِ فَيَنْدَفِعُ العَذابُ كَما فِي سُنَنِ أبِي داوُد وابْنِ ماجَه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: مَن أكْثَرَ الِاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِن كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا ورَزَقَهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وقَدْ قالَ تَعالى: ألّا تَعْبُدُوا إلّا اللَّهَ إنّنِي لَكُمْ مِنهُ نَذِيرٌ وبَشِيرٌ وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعًا حَسَنًا إلى أجَلٍ مُسَمًّى ويُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ. فَبَيَّنَ أنَّ مَن وحَّدَهُ واسْتَغْفَرَهُ مَتَّعَهُ مَتاعًا حَسَنًا إلى أجَلٍ مُسَمًّى ومَن عَمِلَ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرًا زادَهُ مِن فَضْلِهِ". انتهى، من "مجموع الفتاوى" (8/163).

ومن العقوبات ما قدر الله تعالى أن تفوت فلا يعود ما نزع من العبد، لكن الله تعالى لكمال لطفه يعوض التائب عما نزل به .

ثانيا :

مما يرفع البلاء بعد نزوله : الدعاء .

قال ابن القيم رحمه الله :

والدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء ، يدافعه ويعالجه ، ويمنع  نزوله ويرفعه ، أو يخففه إذا نزل ...

وله مع البلاء ثلاث مقامات :

أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .

الثاني : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد ، ولكن قد يخففه ، وإن كان ضعيفا .

الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه ...

 وقد روى الحاكم من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الدعاء ينفع بما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء) " انتهى من "الجواب الكافي" (ص 11- 12) .

حديث ابن عمر حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1634).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب