الخميس 16 شوّال 1445 - 25 ابريل 2024
العربية

يتساءل : هل للملائكة أنوف !

415725

تاريخ النشر : 11-03-2023

المشاهدات : 993

السؤال

ورد أن الملائكة تتأذى برائحة الثوم والبصل، وأنها تتأذى مما يتأذى به البشر، وكذلك ثبت أن أحب شيء لهم المسك، فهل هذا يدل على أن للملائكة أنوفا؟

الجواب

الحمد لله.

الإيمان بالملائكة من الإيمان بالغيب ، وأمور الغيب يجب الوقوف فيها مع النصوص الشرعية من القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، ولا نسأل عما وراء ذلك ، مما لم يرد به نص شرعي .

وهذه هي طريقة الصحابة رضي الله عنهم ، وهم أفضل الناس بعد الأنبياء ، وأكمل الناس إيمانا ، وأحرصهم على العلم ، فإنهم لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا السؤال ، ولو كان بالمسلمين حاجة إلى علم ذلك ، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء ، أو سأل عنه الصحابة رضي الله عنهم ، حتى يبينه لهم الرسول صلى الله عليه وسلم .

والله تعالى جعل الإنسان يدرك الرائحة بأنفه ، وهو سبحانه قادر على أن يجعل الملائكة تدرك الرائحة بأنوف ، أو بغير أنوف .

كما جعل الله الإنسان يتكلم بلسان وشفتين ، وجعل الحجر يتكلم بصوت مسموع بلا لسان وشفتين .

قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)الإسراء/44.

وكان بمكة حجر يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، قبل أن يبعث. رواه مسلم (6078) ، أي : يقول الحجر للنبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به: السلام عليك، ويسمعه النبي صلى الله عليه وسلم .

قال النووي رحمه الله :

"فِيهِ مُعْجِزَة لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي هَذَا إِثْبَات التَّمْيِيز فِي بَعْض الْجَمَادَات ، وَهُوَ مُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحِجَارَة : وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَقَوْله تَعَالَى : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَفِي هَذِهِ الْآيَة خِلَاف مَشْهُور ، وَالصَّحِيح أَنَّهُ يُسَبِّحُ حَقِيقَة ، وَيَجْعَلُ اللَّه تَعَالَى فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسْبِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَمِنْهُ الْحَجَر الَّذِي فَرَّ بِثَوْبِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَلَام الذِّرَاع الْمَسْمُومَة ، وَمَشْي إِحْدَى الشَّجَرَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى حِين دَعَاهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَشْبَاه ذَلِكَ" انتهى .

وكان الصحابة يسمعون تسبيح الطعام، وهو يؤكل . رواه البخاري (3579) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"وكأني بواحد من المتنطعين يقول : بأي لغة تتكلم الملائكة؟ بالعربية؟ بالعبرية؟ بالسريانية؟

وهذا كقول بعض الناس لما سمع حديث ابن مسعود رضي الله عنه ( أن الله تعالى يجعل الأرضين على إصبع والشجر على إصبع ) وما أشبه ذلك. وتقدم بسؤال وقال: كم أصابع الله؟ أعوذ بالله ما هذا السؤال؟

هل أنت أحرص من الصحابة على معرفة صفات الله؟

الجواب: لا. هل الصحابة لما حدثهم الرسول بهذا الحديث أو أقر اليهودي عليه هل قالوا : كم أصابع الرحمن؟ أبداً.

ولهذا أنا أحذر طلبة العلم من التنطع فيما يتعلق بأمور الغيب، أمور الشهادة لا بأس أن الإنسان يبحث، أما أمور الغيب فليأخذ بظاهر ما ورد ، وليدع ما سوى ذلك ؛ لأنه إذا أخذ بالتنطع في أمور الغيب سواء فيما يتعلق بصفات الله، أو بصفات الملائكة، أو بأحوال اليوم الآخر إذا أخذ بالتنطع فيها فإنه ربما يهلك فيقع في الشك، أو في الردة والعياذ بالله .

إذن علينا في مثل هذه الأمور أن نترك التنطع ، وأن نأخذ بظواهر الأدلة . كان الإمام مالك رحمه الله عند أصحابه في المسجد فقال رجل: يا أبا عبد الله ، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) كيف استوى ؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) من شدة وقع هذا السؤال في قلبه، ثم رفع رأسه وقال له : (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). ثم قال: (وما أراك إلا مبتدعاً) . ثم أمر به فأخرج.

أنكر مالك سؤال الرجل عن الكيفية .

وقول مالك : (ما أراك إلا مبتدعاً) يحتمل معنيين:

أحدهما : أن السؤال ديدن أهل البدع فهم الذين يسألون عن كيفية الصفات , من أجل أن يحرجوا المثبتين للصفات.

الثاني : أنك بسؤالك صرت من أهل البدع ؛ لأن الصحابة لم يسألوا عن كيفية الاستواء, وشيء لم يسأل عنه الصحابة يعتبر بدعة في الدين" انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/51) .

وقال أيضا :

" إنا ننصح إخواننا شبابنا الطلبة ألا يتعمقوا في مسائل أمور الغيب؛ لأن أمور الغيب ليس لنا إلا ما علمنا، والباقي يجب السكوت عنه، هذه طريقة السلف" انتهى "لقاءات الباب المفتوح"  (186/28) الشاملة .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (315568). 

والحاصل ؛ أننا نؤمن بما ورد في النصوص ، من أن الملائكة تدرك الرائحة ، وتؤذيها الرائحة الكريهة ، ولا نبحث فيما وراء ذلك ، ولا نتساءل كيف تدرك الملائكة هذه الرائحة ؟

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب