الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

حكم الوزيعة وسبب الخلاف فيها

404952

تاريخ النشر : 22-12-2022

المشاهدات : 3362

السؤال

من العادات التي كانت عندنا "الوزيعة"؛ وهي اجتماع الناس على ثمن بقرة أو ثور، ثم تذبح، وتوزع بين السكان، وهي من العادات قبل الإسلام، والتي كانت تقدم كقربان، وهذا شرك بالله تعالى، وقد استمرت عند البعض خارج الأوقات التي كانت تقام فيها، كصدقة ومظهر من مظاهر التعاون على الخير، فهل هي مما أبطله الإسلام جملة وتفصيلا؛ لكون أصلها عادة شركية، ويعد إحيائها إحياء للبدعة؟

الحمد لله.

أولا:

ما هي الوزيعة؟

الوزيعة: أن يشترك أهل القرية في شراء بقرة أو شاة، يدفع كل منهم في ثمنها حسب استطاعته، ويعفى الفقراء من الدفع غالبا، ثم يوزع لحمها على أهل القرية جميعا، فقرائهم وأغنيائهم بالتساوي.

وكان قديما يوزع لحمها بالأحفان، ثم بالقرعة.

وحصل فيها نزاع بين الفقهاء لأجل ذلك، على اعتبار أن القسمة بيع، وأن اللحم يشترط في بيعه التساوي وزنا، ولأجل شراء بعض الشركاء منها قبل قسمتها.

والصحيح: أنه لا حرج فيها، وأن القسمة هنا إفراز حق، لا بيع، وأن مبنى الوزيعة على المسامحة والمواساة، لا المعاوضة.

وفي "المعيار" للونشريسي (6/ 126): " وسئل سيدي عيسي بن علال عن مسألة الوزيعة.

فأجاب بأن قال: كان شيخنا أبو عيسي موسي العبدوسي رحمه الله يقول: إن قسمت وزنًا، فإن شاؤوا اقترعوا، وإن شاؤوا تركوا. على ما قال اللخمي في قسمة القرعة.

وإن قسمت تحريا [أي بالأحفان]، فهذا موضع القرعة.

ثم ذكر عن الباجي في قسمة الثمار في رؤوس النخل بالتحري، أنه قال: وعندي أن هذه القسمة لا تجوز إلا بالقرعة، وهو ظاهر قول أصحابنا، لأنها تمييز للحق. وأما المراضاة فبيع محض. انتهى.

ونقل ابن زرقون عن سحنون أنه قال: لا يكون في قسمة المكيل والموزون السهم، يريد القرعة. وكذلك عندي ما قسم بالتحري، لأن ما تساوى في الجودة والجنس والقدر، لا يحتاج إلى سهم، كالدنانير والدراهم. انتهى.

وهذا النقل خلاف ما قاله الباجي أولًا. والظاهر ما قاله الباجي. والوزيعة تجري عليه" انتهى.

وفيه (5/ 35): " وسئل الفقيه أبو عبد الله الجعدالة عن الوازئع التي جرت عوائد الناس بها في الأماكن؛ هل يجوز لأهل الوزيعة أن يسوقوا سقط الوزيعة فيما بينهم وبين من حضرهم من سائر الناس، ممن لم يكن لهم فيها سهم، وذلك أبقاكم الله من غير أن يستخلص أحد من أهلها سهمه، ولا عرفه؟ وهل الجزاف في الوزيعة أفضل من الوزن، أو الوزن أفضل؟ وهل الجزاف من يد عارف به وبتقسيط جائز؟ ومن غير العارف به غير جائز، مع كونه جزافاً كله ومجهول الوزن؟ وقد اختلف فيه العامة، وجعلوا في النازلة حلالاً وحراماً، فعسى جوابكم في المسألة.

فأجاب:

الجواب، وبالله التوفيق، أن أهل الوزيعة لا يجوز لهم أن يسوقوا الساقطة فيما بينهم قبل قسمتها، ولا بعد ذلك؛ لأنه يئول إلى أن يفرد أحدهم بلحْمٍ وساقط، وبعضهم بلحم ودراهم، وذلك رباً لا يحل ولا يجوز.

وقسم اللحم يجوز: على الوزن، وعلى التحري، والوزن أولى وأرجح.

والتحري رخصة، ولا يجوز إلا من عارف، وأما من غير عارف: فلا يجوز، لأنه يئول إلى الجهل بالتماثل، وهو فيما يجب فيه التماثل كتحقق التفاضل" انتهى.

وألف الشيخ عمر بن عبد الرحمن بن يوسف الجزنائي الفاسي رسالة في حكم الوزيعة، قرر فيها الجواز، وأجاز أن يشتري الشركاء منها السقط والجلد، وأجاز القرعة فيما لو قسمت بالتحري.

وينظر نص رسالته هنا:

bit.ly/3YKB1Dm

فلم يكن خلاف الفقهاء فيها لأجل ما ذكرت، من أن الناس كانوا يفعلون ذلك فيما مضى لغير الله، فهذا لا يضر ما دامت تذبح اليوم لله وحده، كما أن البقرة التي يملكها فرد يجوز له أن يذبحها ذبحا شرعيا، ولا يضره كون بعض الناس يذبحونها لآلهتهم.

وإنما اختلف فيها الفقهاء لطريقة توزيعها، وهل تصح القرعة مع القسمة بالأحفان، وهل يصح الاتفاق على شراء السقط والجلد قبل تقسيمها.

ثانيا:

الوزيعة لا تدخل في البدعة

لا تدخل الوزيعة في البدعة، بل هي تعاون على الخير، وإحسان للفقراء، وهي أشبه بعمل الأشعريين الذي مدحه النبي صلى الله عليه وسلم، كما روى البخاري (2486) ومسلم (2500) عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ).

قال النووي رحمه الله: " معنى أرملوا: فني طعامهم، وفي هذا الحديث فضيلة الأشعريين، وفضيلة الإيثار والمواساة، وفضيلة خلط الأزواد في السفر، وفضيلة جمعها في شيء عند قلتها في الحضر، ثم يقسم.

وليس المراد بهذا القسمة المعروفة في كتب الفقه بشروطها، ومنعها في الربويات، واشتراط المساواة وغيرها، وإنما المراد هنا إباحة بعضهم بعضا، ومواساتهم بالموجود" انتهى من شرح مسلم.

فإن كانت الوزيعة تذبح لقبر، أو يذهب بها إلى القبر أو الشيخ لتذبح عنده، فهذا هو المنكر، ويكون شركا في الأول، وبدعة وذريعة للشرك في الثاني.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب