الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

متى يكون الندم الذي يصيب الإنسان بسبب الشيطان؟

389041

تاريخ النشر : 18-08-2022

المشاهدات : 7215

السؤال

كيف نعرف ما إذا كان الندم يأتي من الشيطان؟

الجواب

الحمد لله.

الشيطان هو عدو للإنسان ؛ فلذا فإن وساوسه إنما تكون بالأمور المهلكة لبني آدم وهي المنكرة والسيئة والفاحشة.

كما في قوله تعالى: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ البقرة/168–169.

وقال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ النور/21.

والندم فيه ما يحمد وفيه ما يستنكر، ويفرّق بينهما بالنظر إلى سببه وآثاره.

فلا شك أن الندم الذي يبعثه وقوع العصيان من العبد، هو أمر محمود، فلا يكون من الشيطان.

روى الإمام أحمد في "المسند" (6/37)، وابن ماجه (4252)؛ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: النَّدَمُ تَوْبَةٌ.

وصححه محققو المسند، والشيخ الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (3/383).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(247976)، ورقم:(289765). 

بينما الندم على فوات الشهوات المحرمة، هو معصية يحبها الشيطان ويسعى أن يقع فيها الإنسان.

وأما بالنظر إلى آثار الندم؛ فإن الندم قد يكون قد يكون أصله محمود ، كالندم على فوات طاعة أو بسبب وقوع في معصية، وقد يكون فطريا في الإنسان كفوات أمر دنيوي مباح.

وقد يكون على وجه يحبه الشيطان بأن تقعده شدة الندم والحزن إلى اليأس والقنوط والانقطاع عن السعي في مصالح دينه ودنياه.

فالشيطان من شأنه أن يوسوس بما يصد عن الطاعات، كما في قوله تعالى:

إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ المائدة/91.

ويوسوس باليأس والقنوط، كما يشير إلى هذا قوله تعالى:

الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ البقرة /268.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه فيكون محمودا من تلك الجهة لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عموما فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير وبغض الشر وتوابع ذلك...

وأما إن أفضى إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما أمر الله ورسوله به كان مذموما عليه من تلك الجهة، وإن كان محمودا من جهة أخرى " انتهى من "مجموع الفتاوى"(10/17).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه، أو منفيا.

فالنهي: كقوله تعالى (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا)، وقوله: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) في غير موضع، وقوله: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، والمنفي كقوله: (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

وسر ذلك: أن "الحزن" موقف غير مسير، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه، قال الله تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا).

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة: (أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث، لأن ذلك يحزنه).

فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ) فهو قرين الهم، والفرق بينهما: أن المكروه الذي يرد على القلب، إن كان لما يستقبل: أورثه الهم، وإن كان لما مضى: أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، مفتر للعزم" انتهى من"مدارج السالكين" (2 /1285–1286).

أو أن يكون الندم جارا إلى الاعتراض على قضاء الله تعالى وعدم الصبر عليه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ رواه مسلم (2664).

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" فإن " لو " في هذه الحال تفتح عمل الشيطان بنقص إيمانه بالقدر، واعتراضه عليه، وفتح أبواب الهم والحزن المضعف للقلب. وهذه الحال التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم هي أعظم الطرق لراحة القلب، وأدعى لحصول القناعة والحياة الطيبة، وهو الحرص على الأمور النافعة، والاجتهاد في تحصيلها، والاستعانة بالله عليها، وشكر الله على ما يسره منها، والرضى عنه بما فات، ولم يحصل منها.

واعلم أن استعمال " لو " يختلف باختلاف ما قصد بها، فإن استعملت في هذه الحال التي لا يمكن استدراك الفائت فيها، فإنها تفتح على العبد عمل الشيطان، كما تقدم، وكذلك لو استعملت في تمني الشر والمعاصي فإنها مذمومة، وصاحبها آثم، ولو لم يباشر المعصية، فإنه تمنى حصولها.

وأما إذا استعملت في تمني الخير، أو في بيان العلم النافع، فإنها محمودة؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد " انتهى من"بهجة قلوب الأبرار" (ص30).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(114019)، ورقم:(172290). 

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب