الحمد لله.
خلق الله تعالى الرجال والنساء وسوَّى بينهم في التشريع وفضائل الأعمال ، غير أن هناك أحكاما اختص الله تعالى بها الرجال ، وأحكاما أخرى اختص بها النساء .
فعلى كل مسلم أن يطيع الله تعالى كما أمره الله ، ولينتظر جزاء الله تعالى له بالحسنى .
قال الله تعالى : فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ آل عمران/195.
ولا يجوز للرجل أن ينظر إلى ما اختصت به المرأة ويطلب مثله ، ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى ما اختص به الرجل وتطلب مثله .
فلا يجوز للمرأة –مثلا – أن تطلب النبوة والجهاد وإمرة الجيوش ، لأن هذا مما اختص الله به الرجال ، ولا يجوز للأب أن يطلب أن يكون له من حق البر كما للأم ، فإن للأم أضعاف ما للأب من ذلك .
قال الله تعالى :وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًاالنساء/32.
روى الترمذي (3295) عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : يَغْزُو الرِّجَالُ وَلاَ يَغْزُو النِّسَاءُ ، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ : وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ .
وقال مجاهد : فِي قَوْلِهِ تعالى : وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ : هو قَوْلُ النِّسَاءِ : لَيْتَنَا رِجَالٌ فَنَغْزُوَ , وَنَبْلُغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ. رواه ابن جرير (6/664) .
قال ابن جرير الطبري رحمه الله (6/663) :
"يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلاَ تَشْتَهُوا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ .
وذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي نِسَاءٍ تَمَنَّيْنَ مَنَازِلَ الرِّجَالِ , وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَا لَهُمْ , فَنَهَى اللَّهُ عِبَادَهُ عَنِ الأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ , إِذْ كَانَتِ الأَمَانِيُّ تُورِثُ أَهْلَهَا الْحَسَدَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ" انتهى .
وقال القاسمي :
"فإن صح الحديث فالمعنى: لكل أحد قدر من الثواب ، يستحقه بكرم الله ولطفه؛ فلا تتمنوا خلاف ذلك" انتهى، "محاسن التأويل" (2/90).
وقال السعدي ( ص 176) :
"ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة، وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجردا، لأن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها.
ولأنه يقتضي السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب.
وإنما المحمود أمران: أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه. ولهذا قال تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا أي: من أعمالهم المنتجة للمطلوب. وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ فكل منهم لا يناله غير ما كسبه وتعب فيه.
وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أي: من جميع مصالحكم في الدين والدنيا. فهذا كمال العبد وعنوان سعادته ، لا من يترك العمل، أو يتكل على نفسه غير مفتقر لربه، أو يجمع بين الأمرين فإن هذا مخذول خاسر.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا فيعطي من يعلمه أهلا لذلك، ويمنع من يعلمه غير مستحق" انتهى .
وقال الشوكاني في "فتح القدير" :
"وفيه النهي عن أن يتمنى الإنسان ما فضل الله به غيره من الناس عليه ، فإن ذلك نوع من عدم الرضا بالقسمة التي قسمها الله بين عباده على مقتضى إرادته ، وحكمته البالغة ، وفيه أيضاً نوع من الحسد المنهي عنه إذا صحبه إرادة زوال تلك النعمة عن الغير" انتهى.
فعلى المسلم أن يكون اهتمامه بطاعة الله تعالى ، ولا يهتم بغيره ممن سبقوه أو تأخروا عنه.
والله أعلم.
تعليق