الخميس 16 شوّال 1445 - 25 ابريل 2024
العربية

معنى مصطلح "التدليس" في علم الحديث

363352

تاريخ النشر : 01-06-2022

المشاهدات : 22162

السؤال

من هو الراوي المدلس؟ وهل يقبل خبره؟ قرأت في مقدمة كتاب "شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي فوجدت مكتوبا أنه مدلس، لكن ذلك ليس مطعن فيه فلم أفهم.

الجواب

الحمد لله.

الحديث المدلَّس له عدة أنواع، أشهرها وأهمها:

النوع الأول: تدليس الإسناد:

وهو أنّ الراوي يوهم أنه سمع الحديث من شيخه، وهو لم يسمعه منه، بل كان بينهما راو آخر فلم يذكره لسبب من الأسباب، وحتى لا يقع في الكذب يقوم بنسبة الحديث إلى شيخه بصيغة "عن" أو "قال"، ولا يقول سمعت شيخي أو أخبرني أو حدثني.

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:

" وأما التدليس: فهو أن يُحدِّث الرجل عن الرجل قد لقيه، وأدرك زمانه، وأخذ عنه، وسمع منه، وحدث عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه من غيره عنه، ممن تُرضَى حالُه أو لا ترضى؛ على أن الأغلب في ذلك أن لو كانت حاله مرضية لذكره، وقد يكون لأنه استصغره.

هذا هو التدليس عند جماعتهم" انتهى من "التمهيد"(1/15).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" الْمُدَلَّس: سُمِّيَ بذلك لكون الراوي لم يسم من حدثه، وأوهم سماعه للحديث ممن لم يحدثه به.

واشتقاقه من الدَّلَس وهو اختلاط الظلام [بالنور]، سمي بذلك لاشتراكهما في الخفاء.

ويرد المدلَّس بصيغة من صيغ الأداء تحتمل وقوع اللقي بين المدلِّس ومن أسند عنه كـ "عن" وكذا "قال".

ومتى وقع بصيغة صريحة لا تَجَوُّز فيها؛ كان كذبا " انتهى من"نزهة النظر" (ص81).

ومثال ذلك: بقية بن الوليد.

قال ابن حبان رحمه الله تعالى:

" ولقد دخلت حمص وأكثر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه ... فرأيته ثقة مأمونا، ولكنه كان مدلسا: سمع من عبيد الله بن عمر، وشعبة، ومالك، أحاديث يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين، عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك؛ مثل: المجاشع بن عمرو، والسري بن عبد الحميد، وعمر بن موسى المثيمي، وأشباههم، وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى، فروى عن أوليك الثقات الذين رآهم، بالتدليس، ما سمع من هؤلاء الضعفاء، وكان يقول: قال عبيد الله بن عمر عن نافع، وقال مالك عن نافع كذا، فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وبقية عن مالك، وأسقط الواهي بينهما " انتهى من "المجروحين" (1/ 200–201).

أي أن بقية بن الوليد كان شيخه مالك بن أنس، لكن كان ربّما روى أحاديث لم يسمعها من الإمام مالك، وإنما سمعها من راو ضعيف عن مالك، فإذا أراد بقية أن يخبر بالحديث، أسقط الراوي الضعيف الذي بينه وبين الإمام مالك، ثم يقول: عن مالك، أو قال مالك.

والراوي المدلِّس إذا كان ثقة، فإنه تقبل أحاديثه باستثناء ما يظن أنه دلّس فيها، فالتدليس ليس من الكذب الذي يؤثر في عدالة الراوي.

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

" ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته.

وليست تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه، ولا النصيحة في الصدق، فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق.

فقلنا: لا نقبل من مدلس حديثا حتى يقول فيه: حدثني، أو سمعت " انتهى من "الرسالة" (ص379-380).

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وأما قول الشافعي: إن التدليس ليس بكذب يرد به حديث صاحبه كله، فهذا أيضا قول أحمد وغيره من الأئمة، لأن قول المدلس "عن فلان" ليس بكذب منه، وإنما فيه كتمان من سمع منه عن فلان.

وحكى الخطيب هذا القول عن كثير من العلماء" انتهى من "شرح علل الترمذي"(2/584).

لكن يجب التثبت من الأحاديث التي يُظن أنه دلّس فيها، فلا تقبل حتى يصرِّح بأنه سمع الحديث من شيخه، كأن يقول: "أخبرنا" أو "حدثنا"، ونحو هذا من العبارات التي تدل على أنه سمع الحديث مباشرة من الشيخ، ولم يُسقط راويا من الإسناد.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" وحكم من ثبت عنه التدليس إذا كان عدلا: أن لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث، على الأصح " انتهى من"نزهة النظر"(ص81).

النوع الثاني: تدليس التسوية.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وأما من روى عن ضعيف، فأسقطه من الإسناد بالكلية؛ فهو نوع تدليس.

ومنه ما يسمى "التسوية"، وهو أن يروي عن شيخ له ثقة، عن رجل ضعيف، عن ثقة، فيسقط الضعيف من الوسط.

وكان الوليد بن مسلم، وسنيد بن داود وغيرهما يفعلون ذلك " انتهى من" شرح علل الترمذي " (2/ 825).

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى:

" تدليس التسوية وهو: أن يسقط غير شيخه لضعفه أو صغره، فيصير الحديث ثقة عن ثقة، فيحكم له بالصحة، وفيه تغرير شديد.

وممن اشتهر بذلك: بقية بن الوليد، وكذلك الوليد بن مسلم، فكان يحذف شيوخ الأوزاعي الضعفاء ويبقي الثقات، فقيل له في ذلك؟ فقال: أُنبِّل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء! . فقيل له: فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء، أحاديث مناكير، فأسقطتهم أنت وصيّرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات، ضُعِّف الأوزاعي؟ فلم يلتفت الوليد إلى ذلك القول.

وهذا التدليس: أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرّها " انتهى من"الباعث الحثيث" (ص177).

فالوليد بن مسلم مثال شهير لتدليس التسوية.

قال الدارقطني رحمه الله تعالى:

" الوليد بن مسلم يرسل في أحاديث الأوزاعي؛ عند الأوزاعي أحاديث عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ أدركهم الأوزاعي؛ مثل: نافع، والزهري، وعطاء، فيسقط الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي، عن نافع والزهري وعطاء" انتهى من"سؤالات السلمي للدارقطني" (ص 318-319).

وعلّق محققو الكتاب بقولهم:

" المراد: أن الوليد بن مسلم، وهو ممن روى عن الأوزاعي وسمع منه، يأتي إلى أحاديث يرويها الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ ثقات قد سمع منهم الأوزاعي أحاديث غير تلك الأحاديث، فيرويها الوليد عن الأوزاعي عن الشيوخ الثقات ويسقط الضعفاء، فيوهم أن تلك الأحاديث عن ثقة عن ثقة، وهذا ما يعرف بتدليس التسوية" انتهى.

ويقبل حديثه إذا صرح بالتحديث في مكان التدليس.

النوع الثالث: تدليس الشيوخ.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وأما القسم الثاني من التدليس: فهو الإتيان باسم الشيخ أو كنيته على خلاف المشهور به، تعمية لأمره، وتوعيرا للوقوف على حاله، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد، فتارة يكره، كما إذا كان أصغر سنا منه، أو نازل الرواية، ونحو ذلك، وتارة يحرم، كما إذا كان غير ثقة، فدلسه لئلا يُعرف حاله، أو أوهم أنه رجل آخر من الثقات على وفق اسمه أو كنيته " انتهى من"اختصار علوم الحديث مع شرحه الباعث الحثيث" (ص176).

وهذا النوع من التدليس هو الذي نبّه محقق كتاب "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" أنه قد وصف به الحافظ اللالكائي، حيث نقل من "سؤالات الحافظ السِلفِي لخميس الحوزي" (ص 60):

" وسألته عن ابن خزفة؟

فقال: هو أبو الحسن علي بن أبي بكر محمد بن الحسن بن خزفة الصيدلاني، سمع أباه وأبا عبد الله محمد بن الحسين بن سعيد الزعفراني المعدل، وروى عنه عن أبي بكر أحمد بن زهير بن حرب تاريخه الجامع الكبير، وكان مكثرا صدوقا، أملى بعد الأربعمائة الى أن مات في سنة تسع وأربعمائة، وكان مداخلا لفخر الملك ومعه كالنديم، وأبو القاسم اللالكائي يدلس به، فيقول: حدثنا علي بن محمد النديم بواسط " انتهى.

ويعني هذا أن الحافظ اللالكائي لما ذكر شيخه: أبا الحسن علي بن أبي بكر محمد بن الحسن بن خزفة الصيدلاني. لم يذكره باسمه هذا، وإنما ذكره بوصف لم يشتهر به، وهو: علي بن محمد النديم.

وبيّن محقق الكتاب أن هذا التدليس الذي حصل من اللالكائي لا يؤثر فيه؛ لأنه لم يقصد أن يخفي ضعف شيخه؛ لأن شيخه موصوف بأنه: شيخ صدوق.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب