الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

هل ينام أهل الجنة وما المراد بقوله تعالى (وأحسن مقيلًا)؟

353778

تاريخ النشر : 03-02-2022

المشاهدات : 31723

السؤال

يقول الله عز وجل عن أَصْحَابُ الْجَنَّةِ (يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا)، وعندما قرأت التفسير وجدت معنى (مقيلا) هو القيلولة بعد الظهر ولكن معظم الدعاة يقولون: لا يوجد في الجنة نوم، أرجو أن تفيدوني في هذه المسألة وبارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء على كل حال.

ملخص الجواب

أهل الجنة لا ينامون، على ما جاءت به الآثار، وأن المراد بالآية الواردة في السؤال: أنهم لا ينقضي نصف النهار عليهم، وهو وقت القيلولة، إلا وقد أخذوا أماكنهم، ونزلوا منازلهم في الجنة، وهو وقت القيلولة في الدنيا، ومنازلهم في الجنة: هي المكان الذي يقيلون فيه، لو كانت لهم قيلولة. 

الحمد لله.

أولًا:

هل ينام أهل الجنة؟

ذكر غير واحد من أهل العلم أن أهل الجنة لا ينامون. 

وقد جاء في حديث جابر بن عبد الله، وعبد الله ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "النوم أخو الموت، ولا ينام أهل الجنة".

أورد الشيخ ناصر الدين الألباني هذا الحديث في "سلسلة الأحاديث الصحيحة": (3/ 74) ورقمه: (1087)، وقد ذكر هناك أنه أخرجه كثير من كتب الحديث منها الكامل لابن عدي، والحلية لأبي نعيم، تاريخ أصبهان له، وقد جمع الشيخ ناصر طرق الحديث، وختم الكلام على الحديث قائلًا: "وبالجملة فالحديث صحيح من بعض طرقه عن جابر".

وانظر: "الجنة والنار" للأشقر: (222)، وعقد "ابن القيم" بابًا في "حادي الأرواح" (395): " في امتناع النوم على أهل الجنة".

قال ابن كثير: "أهل الجنة لا يموتون فيها لكمال حياتهم، بل كل ما لهم في ازدياد، من قوة الشباب، ونضرة الوجوه، وحسن الهيئة، وطيب العيش ولهذا جاء في بعض الأحاديث أنهم لا ينامون، لئلا يشتغلوا به عن الملاذ والمسرات والعيش الهنيء الطيب، ولئلا يشتغل بالنوم عن ألذ ما في الجنة: من ذكر الرب، وحمده، والثناء عليه، سبحانه لا نحصي ثناء عليه، نسأل الله الدرجات العلا من الجنة." انتهى من "البداية والنهاية" (20/ 353).

ثانيًا:

تفسير قوله تعالى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا

أمَّا قوله تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا الفرقان/24، فللعلماء في تأويله وجهان:

الوجه الأول: أن يكون المقيل من القائلة، وهي نوم نصف النهار. 

ويكون المقصود من الآية: أنَّ الحساب ينتهي في نصف النهار، وهو: وقت القيلولة، فيذهب أهل الجنة إلى بيوتهم في الجنة وقت القيلولة التي كانوا يعرفونها في الدنيا.

والمقصود "أن أهل الجنة لا يمر بهم في القيامة إلا قدر ميقات النهار من أوله إلى وقت القيلولة حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة."

قال مكي: "والمقيل المقام في وقت القائلة، وهو النوم نصف النهار، والتقدير: وأحسن قرارًا في أوقات القائلة في الدنيا، وليس في الجنة قائلة، ولكن خوطبوا على ما يعقلون. 

فالمستقر لهم: تحت ظل العرش، والمقيل لهم: في الجنة، ويراد بالمقيل المقام، إذ ليس في الجنة يوم للقائلة.

وقد روي أن أهل الجنة لا يمر بهم في الآخرة إلا قدر ميقات النهار، من أوله إلى وقت القائلة، حتى يسكنوا في الجنة مساكنهم، فذلك معنى قوله تعالى وَأَحْسَنُ مَقِيلاً." انتهى من "الهداية" (8/ 5203). 

انظر: "تفسير الطبري" (17/ 433)، "تفسير الثعلبي" (19/ 390).

قال ابن كثير: " وَقَوْلُهُ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ الْحَشْرِ/20؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَصِيرُونَ إِلَى الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَاتِ، وَالْغُرُفَاتِ الْآمِنَاتِ، فَهُمْ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ، حَسَنِ الْمَنْظَرِ، طَيِّبِ الْمَقَامِ، خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا الْفَرْقَانِ/76.

وَأَهْلُ النَّارِ يَصِيرُونَ إِلَى الدَّرَكَاتِ السَّافِلَاتِ، وَالْحَسَرَاتِ الْمُتَتَابِعَاتِ، وَأَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَالْعُقُوبَاتِ، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا الْفَرْقَانِ/66، أَيْ: بِئْسَ الْمَنْزِلُ مَنْظَرًا، وَبِئْسَ الْمَقِيلُ مقَامًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا أَيْ: بِمَا عَمِلُوهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الْمُتَقَبَّلَةِ، نَالُوا مَا نَالُوا، وَصَارُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ، بِخِلَافِ أَهْلِ النَّارِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ عَمَلٌ وَاحِدٌ يَقْتَضِي لَهُمْ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، فَنَبَّه - تَعَالَى - بِحَالِ السُّعَدَاءِ عَلَى حَالِ الْأَشْقِيَاءِ، وَأَنَّهُ لَا خَيْرَ عِنْدَهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، فَقَالَ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا.

قَالَ الضَّحَّاكُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا هِيَ ضَحْوَةٌ، فَيَقِيلُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى الْأَسِرَّةِ مَعَ الْحَورِ الْعَيْنِ، ويَقيل أَعْدَاءُ اللَّهِ مَعَ الشَّيَاطِينِ مُقْرَّنِينَ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَفْرَغُ اللَّهُ مِنَ الْحِسَابِ نِصْفَ النَّهَارِ، فَيَقِيلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا.

... وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا أَيْ: مَأْوًى وَمَنْزِلًا"، انتهى، "تفسير ابن كثير" (6/ 104 - 105)، بتصرف.

وقال الواحدي في تفسيره: "قال الأزهري: والقيلولة عند العرب: الاستراحة نصف النهار إذا اشتدَّ الحرُّ، وإن لم يكن مع ذلك نوم.

والدليل على ذلك: أن الجنة لا نوم فيها." انتهى. 

انظر: "التفسير البسيط" (16/ 464 - 465)، و"تهذيب اللغة" (9/ 306).

وقد سئل الشيخ عبدالعزيز الراجحي:

أهل الجنة لا ينامون، فكيف الجمع بين هذا وبين قول الله تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا الفرقان/24؟

فأجاب: لا يلزم من القيلولة النوم." انتهى من "شرح عقيدة السلف وأصحاب الحديث - الشاملة".

والوجه الثاني: أنَّ المقيل مأخوذ من مكان القيلولة؛ وهو: المأوى والمنزل. 

وهذا الوجه لا تعارض بينه وبين الحديث كما هو واضح، فمعناه: أن أصحاب الجنة يؤمئذ خير مستقرا، وأحسن مأوى ومنزلاً.

قال الزمخشري، رحمه الله، في "الكشاف":

"والمقيل: المكان الذي يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم، والتمتع بمغازلتهنّ وملامستهنّ، كما أنّ المترفين في الدنيا يعيشون على ذلك الترتيب.

وروي: أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. وفي معناه قوله عز وعلا: (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) [يس: 55 - 56]، قيل في تفسير الشغل: افتضاض الأبكار، ولا نوم في الجنة.

وإنما سمي مكان دعتهم واسترواحهم إلى الحور مقيلًا على طريق التشبيه.

وفي لفظ الأحسن: رمز إلى ما يتزين به مقيلهم. من حسن الوجوه، وملاحة الصور، إلى غير ذلك من التحاسين والزين". 

انظر: الكشاف، مع حاشيته "فتوح الغيب" (11/ 215 - 217).

وقال الأمين الشنقيطي، رحمه الله: "هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى انْقِضَاءِ الْحِسَابِ فِي نِصْفِ نَهَارٍ، لِأَنَّ الْمَقِيلَ لِلْقَيْلُولَةِ، أَوْ مَكَانِهَا، وَهِيَ الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ فِي الْحَرِّ.

وَمِمَّنْ قَالَ بِانْقِضَاءِ الْحِسَابِ فِي نِصْفِ نَهَارٍ: ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ، لِدَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ.

... وَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ: أَنْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَطُولُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَيَقْصُرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

... وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ السُّرُورَ يَقْصُرُ بِهِ الزَّمَنُ، وَالْكُرُوبَ وَالْهُمُومَ سَبَبٌ لِطُولِهِ.

... وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْمَقِيلَ بِأَنَّهُ الْمَأْوَى وَالْمَنْزِلُ، كَقَتَادَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ أَصْلًا، لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًا، وَأَحْسَنُ مَأْوًى وَمَنْزِلًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى "، انتهى من "دفع إيهام الاضطراب" (172 - 173)، بتصرف.

والحاصل: 

أن أهل الجنة لا ينامون، على ما جاءت به الآثار، وأن المراد بالآية الواردة في السؤال: أنهم لا ينقضي نصف النهار عليهم، وهو وقت القيلولة، إلا وقد أخذوا أماكنهم، ونزلوا منازلهم في الجنة، وهو وقت القيلولة في الدنيا، ومنازلهم في الجنة: هي المكان الذي يقيلون فيه، لو كانت لهم قيلولة. 

والله أعلم. 

وينظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم (324680) ورقم (286461)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب