الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

هل يصلي الوتر بعد طلوع الفجر؟

346671

تاريخ النشر : 26-03-2023

المشاهدات : 7409

السؤال

إن لم أصل الوتر حتى أذن الفجر هل يصح وتري وكيف أصليه؟

ملخص الجواب

وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر ويقضيه بعدها شفعًا.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ذهب جمهور العلماء إلى أن آخر وقت الوتر طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر خرج وقتها ، بدليل قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا  رواه مسلم (754) .

وقوله: فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى . رواه البخاري (991).

قال ابن رجب: "وأما إذا خرج الليل بطلوع الفجر ، فإنه يذهب وقت أدائه عند جمهور العلماء، ويصير قضاءً حينئذ". فتح الباري (6/237).

وذهب بعض العلماء إلى أن وقت الوتر يمتد إلى صلاة الفجر، وعلى هذا فيجوز للإنسان صلاته أداءً فيما بين أذان الفجر والإقامة، وهذا قول الإمام مالك، والشافعي في القديم ، وأحمد في رواية قواها ابن قدامة في "الكافي" (1/336)، ينظر: "فتح الباري" لابن رجب  (6/239). "الإنصاف" (4/107) "المجموع" (4/19).

واستدلوا على ذلك بما رواه أحمد ( 23339) أن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ إِنَّ أَبَا بَصْرَةَ حَدَّثَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ ). قال ابن رجب في "الفتح" (7/103): إسناده جيد، وصححه الألباني في الصحيحة.

فظاهر هذا اللفظ أن وقت الوتر يمتد إلى صلاة الفجر، ولكن " يحتمل أن يكون أراد به نفس الصلاة ، أو يكون أراد به وقت الصلاة ". انتهى من "مشكل الآثار" للطحاوي  (10 / 51)

وقد رواه الترمذي (452) من حديث خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ بلفظ: ( جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ ).

ولكن هذا اللفظ قد ضعفه البخاري وابن حبان والنووي وابن العربي.

فإسناد اللفظ الأول أقوى منه، ومن أهل العلم من ضعف كلا الحديثين.

قال محمد بن نصر المروزي: " قد اختلفت ألفاظ متون هذه الأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله زادكم صلاة أو أمدكم بصلاة، فقال بعضهم: جعلها لكم ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وقال بعضهم: ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح، وهي أخبار في أسانيدها مَطعن لأصحاب الحديث ". انتهى من "مختصر كتاب الوتر" صـ 41.

وقد وردت آثار صحيحة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تبين أن وقت الوتر يمتد إلى صلاة الصبح .

فروى عبد الرزاق في مصنفه (3/11) عن عاصم بن ضمرة  قال : جاء نفر إلى أبي موسى الأشعري، فسألوه عن الوتر، فقال: لا وتر بعد الأذان، فأتوا عليا فأخبروه، فقال: لقد أغرق النَّزْع [أي بَالغَ في الأمْر ]، وأفرط في الفتيا، الوتر ما بينك وبين صلاة الغداة " .

ورواه البيهقي في السنن (2/ 478) وفيه: خَرَجَ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ ثَوَّبَ المؤذن، فقرأ: "والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس" ، ثم قال : أين السائل عن الوتر ؟ نِعْم ساعة الوتر هذه" .

وروى عبد الرزاق في مصنفه (3/11) عن ابن مسعود أنه قال : " الوتر ما بين الصلاتين".

وروى البيهقي في السنن (2/480) عن الأسود بن يزيد أنه سأل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها متى توترين ؟ قالت : "بين الأذان والإقامة " .

قال ابن المنذر في الأوسط (5/190) – في معرض سياقه للأقوال في خروج وقت الوتر- : " وممن روي عنه أنه أوتر بعد طلوع الفجر: عبادة بن الصامت، وأبو الدرداء، وحذيفة، وابن مسعود، وعائشة وعبد الله بن عامر بن ربيعة ".

وقد صرح المالكية بأن الوتر له وقتان: وقت اختيار، ووقت اضطرار،  فوقت الاختيار إلى طلوع الفجر، ووقت الاضطرار صلاة الصبح.

فمن أخره إلى وقت الاضطرار لعذر صح وتره ووقع منه أداءً، ولذا قال الإمام مالك في الموطأ : " وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ".

قال العراقي: " إلَّا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَالُوا إنَّمَا يَخْرُجُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَقْتُهُ الِاخْتِيَارِيُّ، وَيَبْقَى وَقْتُهُ الضَّرُورِيُّ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ ". انتهى من "طرح التثريب" (3/368).

قال ابن قدامة: " المنصوص عن أحمد رحمه الله في الوتر أنه يفعله قبل صلاة الفجر، قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يُسأل: أيوتر الرجل بعد ما يطلع الفجر ؟ قال: نعم.

وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وحذيفة وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وفضالة بن عبيد وعائشة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعمر بن شرحبيل".  انتهى من "المغني" ( 2/529)

قال شيخ الإسلام: " والمأثور عن السلف أنهم إذا ناموا عن الوتر كانوا يوترون قبل صلاة الفجر، ولا يؤخرونه إلى ما بعد الصلاة ". انتهى من "مجموع الفتاوى" (17 / 473).

قال ابن عبد البر: " وهو الصواب عندي لأني لا أعلم لهؤلاء الصحابة مخالفا من الصحابة، فدل إجماعهم على أن معنى الحديث في مراعاة طلوع الفجر: ما لم تُصلَّ صلاة الفجر ". انتهى من "الاستذكار" (2/123).

ومن أهل العلم من اعتبر صلاة الصحابة للوتر فيما بين أذان الفجر والإقامة من باب القضاء لا الأداء.

قال ابن رشد: "والذي عندي في هذا أن ... إجازتهم ذلك هو من باب القضاء لا من باب الأداء، وإنما يكون قولهم خلاف الآثار لو جعلوا صلاته بعد الفجر من باب الأداء فتأمل هذا ... ". انتهى من "بداية المجتهد" (1/147) .

ومنهم من اعتبر ذلك مخالفا للسنة كالشيخ ابن عثيمين حيث قال: "وأما ما يُروى عن بعضِ السَّلفِ؛ أَنَّه كان يُوتِرُ بين أذانِ الفَجرِ وإقامةِ الفَجرِ فإنَّه عَمَلٌ مُخالفٌ لما تقتضيه السُّنَّة، ولا حُجَّةَ في قولِ أحدٍ بعد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ". انتهى من "الشرح الممتع" (4/13).

ثانيا:

من أخر الوتر حتى خرج وقته، بطلوع الفجر، أو صلاة الفجر حسب الخلاف في نهاية وقته، فكيف يقضيه؟

فذهب جمهور العلماء إلى أنه يقضيه أثناء النهار شفعاً.

لما رواه مسلم (746) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

واختاره الشيخين ابن باز وابن عثيمين. مجموع فتاوى ابن باز" (11/300) .

وفي فتاوى اللجنة الدائمة: " وعلى هذا إذا كانت عادته في الليل خمس ركعات فنام عنها أو شغل عنها بشيء شرع له أن يصلي من النهار ست ركعات يسلم من كل ثنتين، وهكذا إذا كانت عادته ثلاثا صلى أربعا بتسليمتين، وإذا كانت عادته سبعا صلى ثمانيا يسلم من كل اثنتين ". فتاوى اللجنة الدائمة (7 / 172)

ويدل على استحباب قضاء الوتر عموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا) . رواه مسلم (684)  .

وما في سنن أبي داود ( 1431) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا ذَكَرَهُ ). صححه النووي والألباني.

قال ابن رجب: " وفي تقييد الأمر بالقضاء لمن نام أو نسيه يدل على أن العامد بخلاف ذلك، وهذا متوجه ؛ فإن العامد قد رغب عن هذه السنة ، وفوتها في وقتها عمداً ، فلا سبيل لهُ بعد ذَلِكَ إلى استدراكها، بخلاف النائم والناسي" . فتح الباري (7/108).

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية من نام عن صلاة الوتر .

 فأجاب: "يُصلي ما بين طلوع الفجر وصلاة الصبح كما فعل ذلك عبد الله بن عمر وعائشة وغيرهما.

واختلفت الرواية عن أحمد، هل يُقضى شفعه معه؟

والصحيح: أنه يُقضى شفعه معه، وقد صح عنه أنه قال: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها)، وهذا يعم الفرض وقيام الليل والوتر والسنن الراتبة.

وقالت عائشة: كان رسول الله إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار اثنتى عشرة ركعة، رواه مسلم .

 وروى عمر بن الخطاب عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال: ( من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه بين صلاة الصبح وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل) رواه مسلم، وهكذا السنن الراتبة .

وفيه قول آخر: أن الوتر لا يُقضى، وهو رواية عن أحمد لما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا طلع الفجر فقد ذهبت صلاة الليل والوتر).

والصحيح: أن الوتر يقضى قبل صلاة الصبح، فإنه إذا صليت لم يبق في قضائه الفائدة التي شُرع لها، والله أعلم ". مجموع الفتاوى (23/ 89)

ثالثا:

هل يوتر بعد صلاة الفجر أم ينتظر حتى تطلع الشمس؟

ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يقضي الوتر بعد صلاة الفجر لأنه وقت نهي

وذهب الشافعية إلى أنه يقضيه بعد صلاة الفجر لأنه من ذوات السبب التي تصلى في وقت النهي.

واختار الشيخ ابن باز والعثيمين أنه يصليها بعد ارتفاع الشمس، لحديث عائشة : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ).

وقال الشيخ ابن باز: " إذا أذن الفجر ولم يوتر الإنسان أخره إلى الضحى بعد أن ترتفع الشمس فيصلي ما تيسر " مجموع فتاوى ابن باز (11/301)

قال الشيخ ابن عثيمين: " وأما قضاء الوتر فلا يقضى في أوقات النهي لأنه أعني الوتر يمكن أن يقضى في غير أوقات النهي فليس هناك ضرورة ملجئة إلى أن يقضيه في وقت النهي". فتاوى نور على الدرب ابن عثيمين .

ويدل لمذهب الشافعية عموم الأحاديث التي تدل على أن من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها.

وكذلك ما رواه مسلم (747) عَنْ عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنْ اللَّيْلِ ).

( مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ ) الْحِزْبُ: الْوِرْدُ، وَهُوَ مَا يَجْعَلُ الْإِنْسَانُ وَظِيفَةً لَهُ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، وَقَالَ السُّيُوطِي: الْحِزْب هُوَ الْجُزْء مِنْ الْقُرْآن يُصَلَّى بِهِ.حاشية السندي.

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَائِهِ إِذَا فَاتَ لِنَوْمٍ أَوْ لِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ , وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ كَانَ كَمَنْ فَعَلَهُ فِي اللَّيْلِ . تحفة الأحوذي

والحاصل:

أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر عند جمهور العلماء، ويقضيه شفعًا بعدها.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب