الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

الجمع بين النهي عن النافلة قبل العيد، وبين المواظبة على صلاة الإشراق

329778

تاريخ النشر : 27-01-2023

المشاهدات : 3429

السؤال

نؤدّي صلاة الإشراق بعد شروق الشمس، وقبل صلاة العيد لا يجوز أداء أيّ صلاة نافلة عندما نكون في المسجد أو المنزل، فإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الإشراق كل يوم، ألا يجوز تأدية صلاة الإشراق كذلك قبل صلاة العيد؟ يرجى التوضيح مع المراجع.

الحمد لله.

أولا:

صلاة الإشراق

صلاة الإشراق المراد بها عند أهل العلم هي صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس ، وخروج وقت النهي، كما في حديث أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ  رواه الترمذي (586)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ "، وحسّنه الشيخ الألباني بشواهده في "السلسلة الصحيحة" (7 / 1195).

وكثير من أهل العلم يرونها صلاة الضحى لكنها في أول وقتها.

جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (27 / 221 - 222):

" بتتبع ظاهر أقوال الفقهاء والمحدثين يتبين: أن صلاة الضحى وصلاة الإشراق واحدة إذ كلهم ذكروا وقتها من بعد الطلوع إلى الزوال ولم يفصلوا بينهما.

وقيل: إن صلاة الإشراق غير صلاة الضحى، وعليه فوقت صلاة الإشراق بعد طلوع الشمس، عند زوال وقت الكراهة " انتهى.

ولمزيد الفائدة طالع الجواب رقم : (129956)، ورقم : (100009) .

ثانيا:

المواظبة على صلاة الإشراق كل يوم

ليس في الحديث المذكور سابقا : ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على صلاة الإشراق كل يوم ، بل ولا فيه أنه كان يفعلها ، إنما فيه الترغيب في فعلها .

لكن ورد عند النسائي (874)، والترمذي (598) عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: "سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّكُمْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: إِنْ لَمْ نُطِقْهُ سَمِعْنَا. قَالَ: كَانَ إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَا هُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَا هُنَا عِنْدَ الْعَصْر:ِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا كَانَتْ مِنْ هَا هُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَا هُنَا عِنْدَ الظُّهْرِ: صَلَّى أَرْبَعًا، وَيُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا ثِنْتَيْنِ، وَيُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمٍ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ".

ورواه النسائي في "السنن الكبرى" (1 / 211)، بلفظ: "كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، يَعْنِي: مِنْ مَطْلَعِهَا، قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ، كَقَدْرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ مَغْرِبِهَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَمْهَل، حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الضُّحَى صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ... ".

قال الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي:

" (قال: كان إذا كانت الشمس من ههنا) يعني من قِبَل المشرق (كهيئتها من ههنا عند العصر) أي كمقدار ارتفاعها من جهة المغرب، عند صلاة العصر، والمراد به وقت صلاة الضحى (صلى ركعتين) .

والحاصل: أنه إذا ارتفعت الشمس عن جانب المشرق ، مقدار ارتفاعها من جانب المغرب ، وقت العصر : صلى ركعتين، وهي صلاة الضحى، وسماها بعضهم صلاة الإشراق..." انتهى من "ذخيرة العقبى" (11 / 115 - 116).

وهذا الحديث اختلف فيه أهل العلم ؛ فمنهم من قوّى إسناده وحسّنه، ومنهم من ضعفه.

قال الترمذي رحمه الله تعالى عقب الحديث:

" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي تَطَوُّعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهَارِ، هَذَا.

وَرُوِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُ هَذَا الحَدِيثَ.

وَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ عِنْدَنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّهُ لَا يُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ " انتهى من"سنن الترمذي" (2 / 494 - 495).

وقال ابن القيّم رحمه الله تعالى:

" وأما الأربع قبل العصر، فلم يصح عنه عليه السلام في فعلها شيء إلا حديث عاصم بن ضمرة عن علي. . . الحديث الطويل...

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ينكر هذا الحديث ويدفعه جدا، ويقول: إنه موضوع. ويذكر عن أبي إسحاق الجوزجاني إنكاره " انتهى من "زاد المعاد" (1 / 301).

وسبب هذا راجع إلى اختلافهم في عاصم بن ضمرة الراوي عن علي رضي الله عنه.

قال ابن عدي رحمه الله تعالى:

" وعاصم بن ضمرة لم أذكر له حديثا، لكثرة ما يروي عن علي مما تفرد به، ومما لا يتابعه الثقات عليه، والذي يرويه عن عاصم قوم ثقات: البلية من عاصم ، ليس ممن يروي عنه " انتهى من"الكامل" (6 / 387).

وقال عنه ابن حبان رحمه الله تعالى:

" كان رديء الحفظ ، فاحش الخطأ، يرفع عن علي قوله كثيرا، فلما فحش ذلك في روايته : استحق الترك " انتهى من "المجروحين" (2 / 125 - 126).

وهناك من أهل العلم من وثقه، كما سبق في كلام الترمذي.

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" عاصم بن ضمرة السلولي ، عن علي ، وعنه أبو إسحاق والحَكَم وعِدَّة؛ وثقه ابن المديني، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عدي بتليينه، وهو وسط " انتهى من "الكاشف" (1 / 519).

ثالثا:

أحاديث نفي الصلاة قبل العيد

على القول بحسن هذا الحديث، فهو لا يتعارض بحمد الله تعالى مع الأحاديث التي تنفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل صلاة العيد.

كحديث ابْنِ عَبَّاسٍ:" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الفِطْرِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، وَمَعَهُ بِلاَلٌ" رواه البخاري (989)، ومسلم (884).

ووجه الجمع وزوال التعارض بأحد الأوجه الآتية :

الوجه الأول: أن أحاديث نفي الصلاة قبل العيد هي عن التنفل في مصلى العيد.

وأما التنفل في البيت أو غيره ، بعيدا عن مكان صلاة العيد : فهو مسكوت عنه.

ومما يدل على هذا حديث عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،  لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ" رواه ابن ماجه (1293).

قال الشيخ الألباني رحمه الله: " أخرجه ابن ماجه (1293)، وأحمد (3/28 و40) نحوه ، والحاكم (1/297) وعنه البيهقي الشطر الثاني منه، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.

قلت: إنما هو حسن فقط، فإن ابن عقيل فيه كلام من قبل حفظه؛ ولذلك قال الحافظ في " بلوغ المرام " والبوصيري في " الزوائد ": " هذا إسناد حسن".

والتوفيق بين هذا الحديث ، وبين الأحاديث المتقدمة النافية للصلاة بعد العيد، بأن النفي إنما وقع على الصلاة في المصلي، كما أفاد الحافظ في "التلخيص". والله أعلم" انتهى من "إروا الغليل" (3 / 100).

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" فأما الإمام: فلا نعلم في كراهة الصلاة له خلافاً ، قبلها وبعدها.

وكل هذا في الصلاة في موضع صلاة العيد.

فأما الصلاة في غير موضع صلاة العيد، كالصلاة في البيت أو في المسجد، إذا صليت العيد في المصلى، فقال أكثرهم: لا تكره الصلاة فيه قبلها وبعدها.

روي ذلك عن بريدة، ورافع بن خديج.

وذكره عباس بن سهل، عن أصحاب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنهم كانوا يفعلونه. " انتهى من "فتح الباري" (9 / 93).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" أن النفي إنما وقع على الصلاة في المصلى " انتهى من"التلخيص الحبير" (3 / 1083).

وأما أصل التنفل في صبيحة العيد فلا يعلم ما ينهى عنه.

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

"الصلاة مباحة في كل يوم وفي كل وقت إلا في الأوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها وهي وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ووقت الزوال، وقد كان تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عامة الأوقات في بيته، ولم يزل الناس يتطوعون في مساجدهم، فالصلاة جائزة قبل صلاة العيد وبعده، ليس لأحد أن يحظر منه شيئا.

وليس في ترك النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي قبلها وبعدها : دليل على كراهية الصلاة في ذلك الوقت؛ لأن ما هو مباح لا يجوز حظره إلا بنهي يأتي عنه، ولا نعلم خبرا يدل على النهي عن الصلاة قبل صلاة العيد وبعده، وصلاة التطوع في يوم العيد ، وفي سائر الأيام ، في البيوت : أحب إلينا للأخبار الدالة على ذلك " انتهى من "الأوسط" (4 / 270).

الوجه الثاني:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبكر بصلاة العيد.

وبوّب البخاري في "الصحيح": "بَابُ التَّبْكِيرِ إِلَى العِيدِ".

وعلّق فيه حديث يَزِيد بْن خُمَيْرٍ الرَّحَبِيّ، قَالَ:

" خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، فَأَنْكَرَ إِبْطَاءَ الْإِمَامِ، فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا قَدْ فَرَغْنَا سَاعَتَنَا هَذِهِ. وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ " .

رواه أبو داود (1135)، وقال الحافظ ابن حجر: "الحَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد لَا أعلم لَهُ عِلّة" انتهى من "تغليق التعليق" (2 / 376).

وقال في "فتح الباري" (2 / 457): " وفي رواية صحيحة للطبراني وذلك حين تسبيح الضحى " انتهى.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:

" والمراد بصلاة التسبيح: صلاة الضحى.

والمراد بحينها: وقتها المختار، وهو إذا اشتد الحر.

فهذا التأخير هو الذي أنكره عبد الله بن بسر، ولم ينكر تأخيرها إلى أن يزول وقت النهي؛ فإن ذَلِكَ هوَ الأفضل بالاتفاق، فكيف ينكره؟ " انتهى من "فتح الباري" (8 / 459).

وساق فيه أيضا حديث البَرَاءِ، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: ( إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ ) رواه البخاري (968)، ومسلم (1961).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

" أورد المصنف حديث البراء: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي) ، وهو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها، ومن لازمه أن لا يفعل قبلها شيء غيرها ، فاقتضى ذلك التبكير إليها " انتهى من "فتح الباري" (2 / 457).

وحاصل هذا الوجه في الجمع : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في وقت الإشراق يشتغل بالتأهب إلى صلاة العيد والمشي إليها.

وعلى هذا ؛ يجمع بين النصوص بأن يقال : إن المحافظة على صلاة الإشراق تكون في كل يوم ، لكن في يومي العيد ينبغي الاشتغال بالاستعداد لصلاة العيد ، والتبكير بالسعي إليها .

الوجه الثالث :

أن صلاة العيد تغني عن صلاة هاتين الركعتين ، لأن المقصود من هاتين الركعتين ، ألا يمر عليه وقت الإشراق بدون صلاة، وصلاة العيد تحقق هذا المقصود، ولذا روي عن جماعة من السلف أن صلاة العيد تقوم مقام صلاة الضحى.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وقالت طائفة: لا صلاة يوم العيد حتَّى تزول الشمس.

وصح عن ابن عمر، أنه كان يفعله.

وعن كعب بن عجرة، أنه أنكر على من صلى بعد العيد في المسجد، وذكر أنه خلاف السنة، وقال: هاتان الركعتان سُبْحةُ هذا اليومِ حتى تكون الصلاة تدعوك.

واختار هذا القول أبو بكر الآجري، وأنه تكره الصلاة يوم العيد حتى تزول الشمس " انتهى من "فتح الباري" (9 / 94).

فالحاصل؛ أن من صلى صلاة الإشراق في بيته ، أو في مسجده إن كانت العيد تصلى في المصلى ، ثم خرج بعد ذلك إلى صلاة العيد، فلا بأس بهذا؛ لأنه أمر مسكوت عنه ولم يرد فيه نهي، والأصل جواز التنفل بعد خروج وقت النهي.

وله أيضا أن يكتفي بصلاة العيد؛ لأن المقصود أن يشغل هذا الوقت بذكر الله تعالى، وقد أشغله بصلاة العيد.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب