الخميس 16 شوّال 1445 - 25 ابريل 2024
العربية

هل تصح قصة موسى مع المرأة العقيم؟

324466

تاريخ النشر : 08-02-2020

المشاهدات : 122994

السؤال

جاءت امرأه عقيم إلي موسى عليه السلام، وطلبت منه أن يدعو لها، فدعي لها، فقال له الله : إني كتبتها عقيما، ثم جاءته بعد مدة تحمل طفلا، فسألها فقالت: ابني فرجع موسى، وسأل ربه عن ذلك، فقال له : كلما كتبتها عقيما قالت : يا رحيم فسبقت رحمتي قدرتي، ما صحة هذه القصة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لم نقف على أصل لهذه القصة، بل لو قدر أن لها أصلا مذكورا في كتب أهل الإسلام : فإن نظام القصة، وما احتوت عليه من تكلف، وإغراب، ومفارقة، وتعمد السجع في قصة وحال لم يكن بلسان العرب أصلا ( عقيم ... رحيم ) !! ؛ كل ذلك مما يدل على أن القصة من الإسرائيليات التي لا يوثق بها ، ولا يتحقق من أصلها ، ولا ينبغي الاعتماد عليها .

ثانيا:

تضمنت القصة أمرا ينبغي لنا التنبه له، وهو:

هل الله تعالى يغير ما قدّره وكتبه على بعض عباده؟

فمن المعلوم أن الله عالم بما سيكون من خلقه وكتب كل ذلك.

قال الله تعالى:  وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ   فاطر/11.

وقال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  الحديد/22.

فأمّا علمه سبحانه وتعالى بما سيكون من خلقه، فهو ثابت لا يتغير، وهذا لكمال علمه سبحانه وتعالى.

قال الله تعالى:  إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا  طه /98.

وقال الله تعالى:  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا  الطلاق /12.

وهذا مجمع عليه من عقيدة المسلمين.

وأما كتابته سبحانه وتعالى لما قدّره من مقادير خلقه، فهي على مراتب.

أعلاها كتابته لمقادير خلقه في اللوح المحفوظ، وهذا أمر مجمع عليه.

قال ابن القطان رحمه الله تعالى:

" وأجمعوا أنه تعالى قدر أفعال جميع الخلق وآجالهم وأرزاقهم قبل خلقه لهم، وأثبت في اللوح المحفوظ جميع ما هو كائن منهم " انتهى من "الإقناع" (1 / 56).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

"  وأجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث: أن كل كائن إلى يوم القيامة، فهو مكتوب في أم الكتاب، وقد دل القرآن على أن الرب تعالى كتب في أم الكتاب ما يفعله وما يقوله، فكتب في اللوح أفعاله وكلامه " انتهى من "شفاء العيل" (ص 404).

وهناك كتابات أخرى بعد هذه الدرجة تكون في أطوار مختلفة من أعمار البشر، يمكن الله تعالى منها الملائكة فتكون بأيديهم، ككتابة أقدار الإنسان وهو جنين، كما في حديث عَبْد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ:   إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ...  رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643).

فما كتب هل يتغير؟

قد ورد ما يفهم منه وجود تغير، كحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:  مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ  رواه البخاري (2067)، ومسلم (2557).

وكحديث سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ  رواه الترمذي (2139)، وقال: " وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ".

فالذي عليه المحققون من أهل العلم؛ أن القدر المكتوب قدران؛ قدر محكم لا يتغير، وهناك قدر معلق وهو الذي في الصحف التي مكنت منها الملائكة؛ فتكون بعض المقادير معلقة على حصول أسبابها، كأن يكتب أن المرأة عقيم؛ إلا إذا حصل منها الدعاء والتضرع لله تعالى، وأما الذي في علم الله تعالى، فهو محفوظ عن التبديل لأنه قضاء الله الماضي في عباده.

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" الرزق نوعان:

أحدهما: ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير.

والثاني: ما كتبه وأعلم به الملائكة ، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب، فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقا، وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من سره أن يبسط له في رزقه. وينسأ له في أثره فليصل رحمه ). وكذلك عمر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين. ومن هذا الباب قول عمر: " اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ".

ومن هذا الباب قوله تعالى عن نوح:   أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى  وشواهده كثيرة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8 / 540).

وسُئل عن قول الله تعالى:  وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ   فاطر/11.

فقال رحمه الله تعالى:

" وأما قوله: ( وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ )...

والجواب المحقق: أن الله يكتب للعبد أجلا في صحف الملائكة، فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب. وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب.

ونظير هذا ما في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته ، فأراه إياهم ، فرأى فيهم رجلا له بصيص ، فقال من هذا يا رب؟ فقال ابنك داود. قال: فكم عمره؟ قال أربعون سنة. قال: وكم عمري؟ قال: ألف سنة. قال فقد وهبت له من عمري ستين سنة. فكتب عليه كتاب وشهدت عليه الملائكة، فلما حضرته الوفاة قال: قد بقي من عمري ستون سنة. قالوا: وهبتها لابنك داود. فأنكر ذلك، فأخرجوا الكتاب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته ) .

وروي أنه كمل لآدم عمره، ولداود عمره. فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة، ثم جعله ستين.

وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال: اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت.

والله سبحانه عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون؛ فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله، والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها " انتهى من "مجموع الفتاوى" (14 / 490 - 491).

وفسروا بهذا قول الله تعالى:  لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ  الرعد/39.

وينظر جواب السؤال رقم : (43021)، ورقم: (264354) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب