السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

حكم تقبيل جمجمة الميت والدفن في الفساقي

299101

تاريخ النشر : 25-12-2018

المشاهدات : 9110

السؤال

طريقة الدفن لدينا فى بلدنا فى غرف تحت الأرض ، للرجال ، وأخرى للنساء ، توفت عمتى ، وكنت ممن أنزلوها لتلك الغرفة ، ووجدت جدتي المحبوبة ، هيكلا عظميا ، وجمجمتها متآكلة ظاهرة وأردت أن أقبلها ؛ لما أصابها وإزاحة هيكلها لجانب الجدار ، ولأن الفرصة نادرة الحدوث ، فكانت تحدثنى نفسى بفعل ذلك قبل الصعود ، ولكن لم أفعل ، فهل كان على إثم إن فعلتها ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا حرج في تقبيل الميت؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ مَيِّتٌ وَهُوَ يَبْكِي.." رواه أبو داود (3163) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

قال النووي رحمه الله : "يجوز لأهل الميت وأصدقائه تقبيل وجهه ، ثبتت فيه الأحاديث" انتهى من "المجموع" (5/111).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : "لا بأس بتقبيل الميت، إذا قبله أحد محارمه من النساء ، أو قبله أحد من الرجال ، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (13/102) .

وعظم الميت طاهر، فلا يظهر مانع من تقبيل جمجمته، إذا لم يكن عليه نجاسة من دم أو رطوبة وعفونة.

ثانيا:

الميت إذا وضع في قبر، ولم يبلَ ، فإنه أحق به، ولا يجوز أن يُدخل عليه ميت آخر، إلا للضرورة، فيوضع إلى جنبه، ولا يزاح عن مكانه.

وينظر: جواب السؤال رقم : (141084) .

ثالثا:

لا يشرع دفن الأموات في الفساقي أو الغرف الجماعية إلا عند الضرورة، كعدم توفر أماكن للدفن، ويلزم حينئذ أن يحفر له في التراب ولو قليلا، وأن يفصل بين كل ميت ومن بعده بجدار ، أو حاجز من تراب أو خشب ، يواريه ويستره عن نظر من يدخل الفسقية فيما بعد.

قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج (3/ 37):

" (أَقَلُّ الْقَبْرِ : حُفْرَةٌ تَمْنَعُ) بَعْدَ رَدْمِهَا (الرَّائِحَةَ) أَنْ تَظْهَرَ مِنْهُ ، فَتُؤْذِيَ الْحَيَّ، (وَ) تَمْنَعُ (السَّبُعَ) عَنْ نَبْشِ تِلْكَ الْحُفْرَةِ لِأَكْلِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي وُجُوبِ الدَّفْنِ : عَدَمُ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ بِانْتِشَارِ رَائِحَتِهِ ، وَاسْتِقْذَارِ جِيفَتِهِ، وَأَكْلِ السِّبَاعِ لَهُ ؛ وَبِهَذَا [الدفن في حفرة] : يَنْدَفِعُ ذَلِكَ.

 قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا [أي: ذكر منع الرائحة، ومنع عدوان السباع]، إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ : بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ، وَإِلَّا ؛ فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا ، فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا .

وَالظَّاهِرُ، كَمَا قَالَ شَيْخُنَا : أَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَلَازِمَيْنِ ، كَالْفَسَاقِيِ الَّتِي لَا تَكْتُمُ رَائِحَةً،  مَعَ مَنْعِهَا الْوَحْشَ، فَلَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا . وَقَالَ السُّبْكِيُّ: فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْفَسَاقِيِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى هَيْئَةِ الدَّفْنِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا. قَالَ: وَقَدْ أَطْلَقُوا تَحْرِيمَ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْأَوَّلِ، وَظُهُورِ رَائِحَتِهِ ، فَيَجِبُ إنْكَارُ ذَلِكَ .

وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ: إنَّهُ لَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيمَا يُصْنَعُ الْآنَ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمَا ، مِنْ عَقْدِ أَزَجَّ وَاسِعٍ ، أَوْ مُقْتَصِدٍ ، شَبَهِ بَيْتٍ ؛ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ ، وَإِجْمَاعَ السَّلَفِ، وَحَقِيقَتُهُ:  بَيْتٌ تَحْتَ الْأَرْضِ ، فَهُوَ كَوَضْعِهِ فِي غَارٍ وَنَحْوِهِ وَيُسَدُّ بَابُهُ اهـ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَفْنٍ ، كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا .

وَاحْتُرِزَ بِالْحَفْرِ ، عَمَّا إذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، وَوُضِعَ عَلَيْهِ أَحْجَارٌ كَثِيرَةٌ أَوْ تُرَابٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ، مِمَّا يَكْتُمُ رَائِحَتَهُ ، وَيَحْرُسُهُ عَنْ أَكْلِ السِّبَاعِ ؛ فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ ، إلَّا إنْ تَعَذَّرَ الْحَفْرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَفْنٍ" انتهى .

فالواجب دفن الميت وفعل ذلك على قدر الاستطاعة، ولو أن يحفر له قليلا داخل الفسقية، ثم يجعل عليه ما يغطيه من حجارة أو ألواح لا تمس جسده، ويوضع التراب فوق ذلك إن أمكن، أو يبنى جدار وراء ظهره يمنع رؤيته، فيكون داخل ما يشبه التابوت أو الصندوق.

وقد سبق بيان ذلك تفصيلا مع أقوال العلماء فيه في جواب السؤال رقم : (122417) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب