الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

هل يستفيد من الجمعيات التي يشرف عليها منتمون إلى الأشاعرة أو يتبرع لها ؟

269201

تاريخ النشر : 04-07-2017

المشاهدات : 5227

السؤال

في لندن هناك الكثير من الجمعيات الخيرية ، والشركات ، أو المنظمات الدعوية التي تنتمي إلى مذاهب الأشاعرة أو الماتريدية ، فهل يجوز لنا الاستفادة منها أو تقديم التبرعات لها؟

ملخص الجواب

خلاصة الجواب : أن التبرع للجمعيات التي يقوم عليها متلبس بالبدعة ، لا يصح أن يكون محكوماً عليه بالتحريم أو المنع مطلقا ، بل لا بد من النظر فيه ؛ فإن انطوى الأمر على مصلحة راجحة فهو مشروع ، وإلا منع منه . وهذا كله إذا لم توجد جمعيات من أهل السنة والجماعة تقوم بالمطلوب ، وتسد الثغرة في المكان المعين ؛ فإن وجدت ، فلا شك أنها الأولى بالدعم ، قدر الاستطاعة .

الجواب

الحمد لله.

أولا :

لا شك أن إعانة المسلم ، وتفريج كربته ، وسد خلته وعوزه ، وكف ضيعته ، كل ذلك من مقتضيات موالاته التي وجبت له بأصل إيمانه ، كما قال الله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة/71 . وإلى ذلك يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ ) رواه أبو داود (4918) وحسنه الألباني .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (21944).

ثانيا :

التعاون مع الجمعيات الخيرية التي يقوم عليها المبتدعة ، فيه تفصيل :

إما أن تكون هذه الجمعيات يغلب عليها وعلى أنشطتها نشر البدعة والاهتمام بها ، أو لا ؟

فإن كانت أنشطتها يغلب عليها نشر الأشعرية أو الماتريدية بين أهل السنة ، ويحرصون على نقل أهل السنة إلى مذهبهم ، ففي هذه الحالة لا شك في النهي عن دعمها ؛ لأن في دعمها  عدة مفاسد : مفسدة مخالطة المبتدع وتوقيره ؛ ومفسدة المساهمة في نشر البدعة والجمعيات الداعية إليها ، ومفسدة إضلال المسلمين عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم .

ولا حرج على المحتاج : أن يستفيد منها مالا أو متاعا ، مع الحذر من الاستماع إلى شبههم أو التأثر ببدعتهم .

أما إذا كانت أنشطة هذه الجمعيات أنشطة إغاثية ، أو للنفع العام : من إصلاح بين الناس ، وعلاج المرضى ، وإغاثة الملهوف ، ونصرة المظلوم ونحو ذلك ، ولا يهتم القائمون على تلك الجمعيات بنشر مذهبهم المخالف لمذهب أهل السنة ؛ فهنا تترجح مصلحة نفع المسلمين على مفسدة مخالطة المبتدع ، لا سيما إذا لم يترتب على هجرانه انزجار ولا تحذير .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

"فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ، ولا انتهاء أحد؛ بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها: لم تكن هجرة مأمورا بها ، كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك : أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية [أي : لم يكونوا يستطيعون أن يظهروا العداوة للجهمية] .

فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم ، سقط الأمر بفعل هذه الحسنة ، وكان : مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف ، ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي .

وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة [أي : بدعة نفي القدر] ، فلو ترك رواية الحديث عنهم ، لاندرس العلم والسنن ، والآثار المحفوظة فيهم .

فإذا تعذر إقامة الواجبات ، من العلم والجهاد وغير ذلك ، إلا بمن فيه بدعة ، مضرتها دون مضرة ترك ذلك الواجب = كان تحصيل مصلحة الواجب ، مع مفسدة مرجوحة معه : خيرا من العكس .

ولهذا كان الكلام في هذه المسائل فيه تفصيل " انتهى . "مجموع الفتاوى" (28/212) .

وكذلك أيضا : إذا كانت أنشطة هذه الجمعيات الدعوية موجهة إلى غير المسلمين ، فيدعون الكفار إلى الإسلام ، ولو على مذهبهم هم ، فإن دعمهم في هذه الحالة متأكد مشروع ؛ وذلك لأن انتقال الإنسان من الكفر إلى الإسلام خير عظيم، حتى وإن تلبس ببعض البدع والضلالات.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (13/95- 97) بعض الضلالات والخرافات التي قد يقع فيها بعض الناس ثم قال :

"وهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ وَاقِعٌ كَثِيرًا ، وَكُلَّمَا كَانَ الْقَوْمُ أَجْهَلَ ، كَانَ عِنْدَهُمْ أَكْثَرُ ، فَفِي الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي النَّصَارَى ، وَهُوَ فِي النَّصَارَى كَمَا هُوَ فِي الدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ .

وَهَذِهِ الْأُمُورُ يُسْلِمُ بِسَبَبِهَا نَاسٌ ، وَيَتُوبُ بِسَبَبِهَا نَاسٌ يَكُونُونَ أَضَلَّ مِنْ أَصْحَابِهَا ، فَيَنْتَقِلُونَ بِسَبَبِهَا إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا كَانوا عَلَيْهِ ، كَالشَّيْخِ الَّذِي فِيهِ كَذِبٌ وَفُجُورٌ مِنْ الْإِنْسِ ، قَدْ يَأْتِيهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ فَيَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمُونَ وَيَصِيرُونَ خَيْرًا مِمَّا كَانُوا ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَاسِدًا ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ وَبِأَقْوَامِ لَا خَلَاقَ لَهُمْ) .

وَهَذَا كَالْحُجَجِ وَالْأَدِلَّةِ الَّتِي يَذْكُرُهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ ، فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ ، وَيَقْوَى بِهَا قُلُوبُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ ؛ وَإِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِهَا بَاطِلَةً ، فَغَيْرُهَا أَبْطَلُ مِنْهَا، وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ دَرَجَاتٌ ، فَيَنْتَفِعُ بِهَا أَقْوَامٌ يَنْتَقِلُونَ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.

وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ مُبْتَدِعَةِ الْمُسْلِمِينَ: مِنْ الرَّافِضَةِ وَالْجَهْمِيَّة وَغَيْرِهِمْ إلَى بِلَادِ الْكُفَّارِ ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَانْتَفَعُوا بِذَلِكَ ، وَصَارُوا مُسْلِمِينَ مُبْتَدِعِينَ؛ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا. وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْمُلُوكِ قَدْ يَغْزُو غَزْوًا يَظْلِمُ فِيهِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارَ ، وَيَكُونُ آثِمًا بِذَلِكَ ، وَمَعَ هَذَا: فَيَحْصُلُ بِهِ نَفْعُ خَلْقٍ كَثِيرٍ كَانُوا كُفَّارًا ، فَصَارُوا مُسْلِمِينَ ، وَذَاكَ كَانَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَائِمِ بِالْوَاجِبِ ؛ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُفَّارِ فَهُوَ خَيْرٌ.

وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالْفَضَائِلِ وَالْأَحْكَامِ وَالْقِصَصِ، قَدْ يَسْمَعُهَا أَقْوَامٌ فَيَنْتَقِلُونَ بِهَا إلَى خَيْرٍ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَتْ كَذِبًا

...

وَاَللَّهُ تَعَالَى بَعَثَ الرُّسُلَ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا ، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الْخَلْقَ بِغَايَةِ الْإِمْكَانِ ، وَنَقَلَ كُلَّ شَخْصٍ إلَى خَيْرٍ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ ، بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) .

وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ يَرُدُّونَ بَاطِلًا بِبَاطِلِ وَبِدْعَةً بِبِدْعَةِ؛ لَكِنْ قَدْ يَرُدُّونَ بَاطِلَ الْكُفَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ ، بِبَاطِلِ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَيَصِيرُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا مُبْتَدِعًا .

وَأَخَصُّ مِنْ هَؤُلَاءِ: مَنْ يَرُدُّ الْبِدَعَ الظَّاهِرَةَ ، كَبِدْعَةِ الرَّافِضَةِ ، بِبِدْعَةِ أَخَفَّ مِنْهَا ، وَهِيَ بِدْعَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَصْنَافَ الْبِدَعِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ خَيْرٌ مِنْ الرَّافِضَةِ وَمِنْ الْخَوَارِجِ" انتهى .

مع التنبه إلى أن من القائمين على الجمعيات الخيرية من هو جاهل أو مقلد ، أو مجتهد لم يوفق للصواب فيكون معذوراً ، ولا يحكم عليه بأنه مبتدع أصلا ، بل يُحكم عليه بالخطأ .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (44738) .

والخلاصة : أن التبرع للجمعيات التي يقوم عليها متلبس بالبدعة ، لا يصح أن يكون محكوماً عليه بالتحريم أو المنع مطلقا ، بل لا بد من النظر فيه ؛ فإن انطوى الأمر على مصلحة راجحة فهو مشروع ، وإلا منع منه .

وهذا كله إذا لم توجد جمعيات من أهل السنة والجماعة تقوم بالمطلوب ، وتسد الثغرة في المكان المعين ؛ فإن وجدت ، فلا شك أنها الأولى بالدعم ، قدر الاستطاعة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب