الأربعاء 22 شوّال 1445 - 1 مايو 2024
العربية

لماذا يجوز الإهداء للمقرض عند السداد ولا يجوز قبله؟

264952

تاريخ النشر : 01-11-2023

المشاهدات : 1341

السؤال

لدي سؤال: في باب القرض ، يجوز قضاء القرض بأكثر مما اقترضه بشرط أن لا يكون ذلك اشتراطا محضا من المقرض على المقترض ، بفعل الرسول نفسه، و ورد أيضا النهى أن يقبل المقرض هدية من المقترض إلا إذا كان ذلك يجري بينهما فيما سبق ، فكيف نوافق بين جواز الزيادة عند القضاء، و بين النهي عن قبول الهدية، حيث يظهر أن الزيادة وقعت تبرعا من المقترض فكانت جائزة، و الهدية أيضا فيما يظهر وقعت تبرعا من المقترض دون شرط من المقرض، و لكنها منعت.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

الهدية من المقترض إما أن تكون مشروطة أو غير مشروطة ، فإن كانت شرطا للقرض ، فلا خلاف في حرمتها ، سواء كانت عند السداد أو قبله أو بعده .

وإن لم تكن مشروطة :

- فتجوز عند السداد أو بعده ؛ لما رواه البخاري (2393) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنْ الإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْطُوهُ ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلا سِنًّا فَوْقَهَا ، فَقَالَ: أَعْطُوهُ ، إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً.

- ولا تجوز قبل السداد إلا أن توجد بينهما عادة بالتهادي قبل ذلك ؛ لحديث أَبِي بُرْدَةَ قال : " أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ لِي : إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا " رواه الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (3814) ،  و(القَتّ) نبات تأكله البهائم .

وسبب التحريم أمران :

الأول : قد تكون الهدية بسبب القرض ، فإذا قبلها المهدي وقع في الربا ؛ لأن القاعدة في القرض أن "كل قرض جَرَّ نفعاً فهو ربا" وهذا القرض قد جر للمقرض نفعاً .

الثاني : قد تكون الهدية مؤثرة في تأجيل المطالبة بالدَّيْن ، فبذلك تشبه ربا النسيئة ؛ حيث إنه زاد في الأجل بمقابل الهدية .

قال ابن القيم في علة النهي عن الهدية للمقرض :

" وَمَا ذَاكَ إلَّا لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَأْخِيرِ الدَّيْنِ لِأَجْلِ الْهَدِيَّةِ ، فَيَكُونُ رِبًا ; فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ مَالُهُ وَأَخَذَ الْفَضْلَ الَّذِي اسْتَفَادَهُ بِسَبَبِ الْقَرْضِ " انتهى من "إعلام الموقعين" (3/171) .

قال الشيخ ابن باز :

" إذا أقرضت زيداً ألف ريـال وأعطاك كسوة أو أهدى إليك فاكهة أو ما أشبه ذلك، هذا من الربا، أو أسكنك في البيت بدون أجرة، أو أعطاك السيارة تستعملها بدون أجرة هذا جر نفعاً فهو من الربا؛ لأنه ما أعطاك إلا من أجل القرض " انتهى من "موقع الشيخ" .

وقال الشيخ ابن عثيمين :

"لو كان قبل الوفاء فإنه لا يجوز؛ لأنه يؤدي إلى أن يهاديه المقترض كلما مضى شهران أو ثلاثة أشهر، وبهذا يزيد في تأخير الطلب، ثم يكون كالربا الزائد لكل شهر أو لكل سنة" انتهى من "الشرح الممتع" (9/112) .

ثانيا :

استُثني من المنع ما إذا كان بينهما عادة بالتهادي قبل ذلك ؛ لأن العادة الجارية قبل ذلك تُضعف شبهة الربا.

قال ابن القيم :

" وَرُوِيَ عَنْ بن سِيرِينَ أَنَّ عُمَر أَسْلَفَ أُبَيّ بْن كَعْب عَشَرَة آلَاف دِرْهَم فَأَهْدَى إِلَيْهِ أُبَيّ مِنْ ثَمَرَة أَرْضه فَرَدَّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْهَا فَأَتَاهُ أُبَيّ فَقَالَ لَقَدْ عَلِمَ أَهْل الْمَدِينَة أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَة وَأَنَّهُ لَا حَاجَة لَنَا فَبِمَ مَنَعْت هَدِيَّتنَا ، ثُمَّ أَهْدَى إِلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ فَقَبِلَ .

فَكَانَ رَدّ عُمَر لَمَّا تَوَهَّمَ أَنْ تَكُون هَدِيَّته بِسَبَبِ الْقَرْض ، فَلَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْقَرْض قَبِلَهَا ، وَهَذَا فَصْل النِّزَاع فِي مَسْأَلَة هَدِيَّة الْمُقْتَرِض " انتهى من "تهذيب سنن أبي داود" (9/192) .

وينظر جواب السؤال (49015) .

قال الشوكاني في "نيل الأوطار" (6/257) :

"وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ وَالْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهُمَا إذَا كَانَتْ لِأَجْلِ التَّنْفِيسِ فِي أَجَلِ الدَّيْنِ (أي تأخير السداد) , أَوْ لأَجْلِ رِشْوَةِ صَاحِبِ الدَّيْنِ , أَوْ لأَجْلِ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَنْفَعَةٌ فِي مُقَابِلِ دَيْنِهِ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ ; لأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الرِّبَا أَوْ رِشْوَةٌ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لأَجْلِ عَادَةٍ جَارِيَةٍ بَيْنَ الْمُقْرِضِ وَالْمُسْتَقْرِضِ قَبْلَ التَّدَايُنِ فَلا بَأْسَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِغَرَضٍ أَصْلا فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ لإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ" اهـ

فيجب على المقرض أن يرد الهدية قبل السداد ، أو يقبلها مع احتسابها من الدين .

قال الشيخ ابن عثيمين :

"يهدي للرجل من أجل أن يؤجل ولا يطالبه بالدين وقد يكون أهدى إليه من أجل أنه أسدى إليه معروفاً ، فصار يهدي إليه ، لكن يجب على المقرض في هذه الحال أن يقيد كل ما أهداه إليه المستقرض ، ثم يقوّمه وينزله من دينه" انتهى من "التعليق على البيوع من الكافي" (1/305) بترقيم الشاملة .

فتبين مما سبق : الفرق بين الإهداء عند القضاء والإهداء قبل القضاء ؛ لأن الإهداء عند السداد كالإهداء بعده ، فليس عوضا في القرض ولا وسيلة إليه .

وأما الإهداء قبل السداد فيحرم إذا لم يكن بينهما عادة إهداء وصِلَات سابقة ؛ لبقاء الشبهة ، وقد جاءت الأحاديث بغلق هذا الباب .

قال ابن قدامة مرجِّحا القول بجواز الزيادة عند القضاء خلافا لمن منعه بحجة أنه قرض جر نفعا:

"لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ عِوَضًا فِي الْقَرْضِ، وَلَا وَسِيلَةً إلَيْهِ، وَلَا إلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ، فَحَلَّتْ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَرْضٌ" انتهى من "المغني" (4/242) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :

" المقصود بالهدية أن يؤخر الاقتضاء وإن كان لم يشرط ذلك ولم يتكلم به فيصير بمنزلة أن يأخذ الألف ، بهدية ناجزة وألف مؤخرة ، وهذا ربا ؛  ولهذا جاز أن يزيد عند الوفاء ويهدي له بعد ذلك لزوال معنى الربا ، ومن لم ينظر إلى المقاصد في العقود أجاز مثل ذلك وخالف بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا أمر بيّن " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (6/159) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب