الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

يستلم الصدقات من المزكين فهل له أن يتأخر في دفعها إلى مستحقيها ؟

262378

تاريخ النشر : 28-04-2017

المشاهدات : 9803

السؤال

أحيانا يعطيني بعض أقاربي مالا للزكاة كي أسلمه المستحقين ، وانا أعرف إحدى الأخوات مستحقة جدا للزكاة لكنها ليست في منطقتي وأنتظر نزولها لنفس منطقتي حتى أسلمها المبلغ الذي لدي وقد يتأخر دفع الزكاة عن موعدها فهل هذا جائز؟

ملخص الجواب

مخلص الجواب : إذا كان الانتظار يسيرا فلا حرج عليك في هذا التأخير ، وإن كان الانتظار كثيرا فعليك أن تسلميها إلى أي شخص توكله هذه المرأة الفقيرة ؛ وبهذا تسلمين من تأخيرها وتعجلت إبراء ذمتك.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

الزكاة تجب على الفور ، إذا حال الحول على النصاب ؛ فلا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها ؛ لأن الله عز وجل أمر بها أن تؤدى على الفور فقال سبحانه تعالى : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) سورة الأنعام / 141 .

وأمر بها كثيرا في كتابه ، والأمر عند الإطلاق يقتضي الفورية .

قال في "الشرح الكبير" (7/139-140) :

" الأمْرَ المُطْلَقَ يَقْتَضِى الفَوْرَ، على ما يُذكَرُ في مَوْضِعِه، ولذلك يَستَحِقُّ مُؤَخِّرُ الامْتِثالِ العِقابَ، بدَلِيلِ أنَّ اللَّه تعالى أخْرَجَ إبْلِيسَ، وسَخِط عليه بامْتِناعِه مِن السُّجُودِ.

ولو أنَّ رُجُلًا أمَرَ عَبْدَه أن يَسْقِيَه فأخَّرَ ذلك، اسْتَحَقَّ العُقُوبَةَ،

ولأنَّ جَوازَ التَّأْخِيرِ يُنافِى الوُجُوبَ، لكَوْنِ الواجِبِ ما يُعاقَبُ على تَرْكِه، ولو جاز التَّأْخِيرُ، لجاز إلى غيرِ غايَةٍ، فتَنْتَفِى العُقُوبَةُ بالتَّرْكِ.

ولو سَلَّمْنا أنَّ مُطْلَقَ الأمْرِ لا يَقْتَضِى الفَوْرَ، لاقْتَضاه في مَسْألَتِنا، إذ لو جاز التَّأْخِيرُ ههُنا لَأخّرَه بمُقْتَضَى طَبْعِه، ثِقَةً منه بأنَّه لا يَأْثَمُ بالتَّأْخِيرِ، فيَسْقُطُ عنه بالمَوْتِ، أو بتَلَفِ مالِه، أو بعَجْزِه عن الأداءِ، فيَتَضَرَّر الفُقَراءُ .

ولأنَّ ههُنا قرِينَةً تَقْتَضِى الفَوْرَ، وهو أنَّ الزكاةَ وَجَبَتْ لحاجَةِ الفُقَراءِ، وهى ناجزَةٌ، فيَجِبُ أن يكونَ الوُجُوبُ ناجِزًا، ولأنَّها عِبادَةٌ تَتَكَرَّرُ، فلم يَجُزْ تَأْخِيرُها إلى وقْتِ وُجُوبِ مثلِها، كالصلاةِ والصومِ.

قال الأثْرَمُ: سمعتُ أَبا عبدِ اللَّه يُسْألُ عن الرَّجل يَحُولُ الحَوْلُ على مالِه، فيُؤَخِّرُ عن وقتِ الزكاةِ؟ فقال: لا, ولِمَ يُؤَخِّرُ إخْراجَها؟ وشَدَّدَ في ذلك. قِيلَ: فابْتَدَأ في إخْراجِها، فجَعَلَ يُخْرِجُ أوَّلًا فأوَّلًا. فقال: لا، بل يُخْرِجُها كلَّها إذا حال الحَوْلُ." انتهى .

وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

" الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ إِلَّا وَاجِبٌ مُؤَقَّتٌ، أَوْ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ.

أَمَّا وَاجِبٌ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ مُطْلَقًا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إِنْ جَازَ التَّأْخِيرُ إِلَى غَيْرِ غَايَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِحَيْثُ لَوْ مَاتَ مَاتَ غَيْرَ عَاصٍ بَطَلَ مَعْنَى الْوُجُوبِ، وَإِنْ جَازَ إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوْتُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَجُزْ لِوَجْهَيْنِ: -

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ فَإِنَّ الْمَوْتَ إِنَّمَا يُعْلَمُ بِأَسْبَابِهِ، وَإِذَا نَزَلَتْ أَسْبَابُ الْمَوْتِ مِنَ الْمَرَضِ الشَّدِيدِ وَنَحْوِهِ تَعَذَّرَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَبْلَ حُصُولِ أَسْبَابِهِ فَإِنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ أَحَدٍ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي هَذَا الْعَامِ وَلَوْ بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً.

الثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ مَاتَ قَبْلَ هَذَا الظَّنِّ غَيْرَ عَاصٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَجِبَ الْفِعْلُ عَلَى أَكْثَرِ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَمُوتُونَ قَبْلَ هَذَا الظَّنِّ، وَإِنْ عَصَى بِذَلِكَ فَبِأَيِّ ذَنْبٍ يُعَاقَبُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ مَا جَازَ لَهُ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان: 34]." انتهى ، من "شرح العمدة" (4/102) .

لكن رخّص العلماء في التأخير لمصلحة راجحةٍ ، مدةً يسيرة ، لعدم وجود المستحق ، أو لغيبة المال ، أو لانتظار قريب ونحو ذلك   .

قال ابن قدامة رحمه الله : " إن أخرها - أي : الزكاة - ليدفعها إلى من هو أحق بها من ذي قرابة ، أو ذي حاجة شديدة :

فإن كان شيئاً يسيراً : فلا بأس .

وإن كان كثيراً : لم يجز " انتهى من "المغني " (2/290) .

وقال شمس الدين الرملي :

"وله تأخيرها لانتظار أحوج ، أو أصلح ، أو قريب ، أو جار ؛ لأنه تأخير لغرض ظاهر ، وهو حيازة الفضيلة .

وكذا : ليتروى ، حيث تردد في استحقاق الحاضرين" انتهى من "نهاية المحتاج" (3/135).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :

"الحج واجب على الفور ، لكن تأخيره لمصلحة الجهاد ، كتأخير الزكاة الواجبة على الفور لانتظار قوم أصلح من غيرهم، أو لضرر أهل الزكاة " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/537) .

وسئل الشيخ ابن باز :

هل يصح أن يحتفظ بالزكاة من أجل إعطائها لأحد الفقراء الذين لم يتصل بهم بعد؟

فأجاب : "إذا كانت المدة يسيرة غير طويلة : فلا بأس أن يحتفظ بالزكاة حتى يعطيها بعض الفقراء من أقاربه، أو من هم أشد فقرًا وحاجة، لكن لا تكون المدة طويلة، وإنما تكون أيامًا غير كثيرة. هذا بالنسبة لزكاة المال.

أما زكاة الفطر فلا تؤجل، بل يجب أن تقدم على صلاة العيد، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتخرج قبل العيد بيوم أو يومين أو ثلاثة لا بأس، ولا تؤجل بعد الصلاة" انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (14/222) .

وينبغي لمن أخرها لذي قرابة أو أصلح أو أحوج أن يفصلها عن ماله ويوصي بها ؛ حتى لا تكون معرضة للتلف أو الإهمال أو النسيان ، فيفوت بذلك حق الفقير .

وأكمل من ذلك أن يتصل بالفقير ، ويطلب منه توكيل شخص في قبضها ؛ وبهذا تخرج من عهدتك وتبرأ ذمتك ؛ لأن الوكيل يقوم مقام الموكل .

ويتعين ذلك : إذا خشي طول التأخير .

قال الشيخ ابن عثيمين : " فإذا وصلت الزكاة إلى يد الوكيل ، فكأنها وصلت إلى يد موكله " انتهى من " الضياء اللامع من الخطب الجوامع " (1/389) .

وقال أيضا :

" ما وصل إلى وكيل الشخص ، فكأنما وصل إلى الشخص نفسه، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها، ما وصل إلى وكيل الشخص فكأنما وصل إلى الشخص نفسه، هذه القاعدة تنفعك في عدة أبواب، منه مثلاً: زكاة الفطر، لو كان الفقير قال لك: إذا جاء وقت زكاة الفطر فإني موكِّلٌ فلاناً يقبض لي، ثم أعطيتَ وكيلَه في أيام دفع زكاة الفطر؛ ولكنها لم تصل إلى الفقير إلا بعد عشرة أيام من شوال، هل تكون مقبولة ؟

الجواب: نعم . لماذا ؟ لأن وكيل الإنسان قائم مقام الإنسان... لأنهم ليسوا وكلاء لك، ولهذا لو قدِّر أن هذه الزكاة تلفت عند هؤلاء الذين قبضوها فهل يلزمك بدلها؟

 لا. لا يلزمك زكاة بدلها، بل قد بلغت محلها " انتهى من " جلسات رمضانية " (الدرس الحادي عشر).

والخلاصة :

إن كان الانتظار يسيرا فلا حرج عليك في هذا التأخير ، وإن كان الانتظار كثيرا فعليك أن تسلميها إلى أي شخص توكله هذه المرأة الفقيرة ؛ وبهذا تسلمين من تأخيرها وتعجلت إبراء ذمتك.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب