السبت 11 شوّال 1445 - 20 ابريل 2024
العربية

كيف يخلق البشر لتعمير الأرض، وآدم لو لم يأكل من الشجرة ما هبط إلى الأرض ؟

250448

تاريخ النشر : 22-03-2017

المشاهدات : 36149

السؤال


كيف نفهم أن الله تعالى خلق البشر لتعمير الأرض ، مع أن آدم عليه السلام ، لم يكن ينزل الأرض ، لو لم ترتكب زوجته المعصية ؟

الجواب

الحمد لله.



أولا:
خلق الله آدم ليكون خليفة في الأرض ويعمرها، كما قال سبحانه: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) البقرة/30 .
فآدم عليه السلام مخلوق ليكون في الأرض هو وذريته، وقد قدّر الله ذلك قبل أن يخلقه، فإن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما روى مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ).
وإذا قدّر الله شيئا قدّر أسبابه، فكان مما قدره الله تعالى أن يكون آدم خليفة في الأرض، وأن يعمرها بذريته كما قال: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ) هود/61 .
وقدّر سبب هبوطه للأرض، وهو أكله من الشجرة مع حواء، وما جرى في ذلك من الابتلاء والامتحان ليكون عبرة لذريته، فلا يتبعون من أغوى أبويهما.
قال تعالى: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/117 – 124 .
وقال سبحانه: (يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) الأعراف/27 .
ثانيا:
من الخطأ أن يقال: إذا لم يأكل آدم من الشجرة ما نزل إلى الأرض ؛ فقد يقدر الله نزوله إلى الأرض بسبب آخر.
فقد علمت أن استخلاف آدم في الأرض أمر مقدر قبل خلق آدم عليه السلام ، وقبل أكله من الشجرة ، وإنما كانت المعصية سببا لهذا المقدور ، فإذا تخلف سبب معين ، فقد يكتب سبب آخر لوقوع المقدور.
وهذا مثل قول بعضهم: لو لم يقتل فلان لعاش، فهذا خطأ؛ فقد يقدّر موته في نفس الوقت بسبب آخر.
وننبه على أن قول السائل: " إذا لم ترتكب زوجته المعصية " يفهم منه أن المعصية حصلت من حواء فحسب، وهذا ليس صحيحا. قال تعالى: (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) طه/121 .
وقال سبحانه: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) الأعراف/23
فالمعصية وقعت منهما، وإن كان ابتداء التزيين كان من قبل حواء، كما روى البخاري (3330) ومسلم (1470) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وقوله: (لم تخن أنثى زوجها) : فيه إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك.
فمعنى خيانتها : أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم. ولما كانت هي أم بنات آدم ، أشبهنها بالولادة ونزع العرق، فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول .
وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش ؛ حاشا وكلا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس ، من أكل الشجرة ، وحسّنت ذلك لآدم : عُدّ ذلك خيانة له. وأما من جاء بعدها من النساء ، فخيانة كل واحدة منهن بحسبها.
وقريب من هذا حديث: (جحد آدم فجحدت ذريته).
وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم ، بما وقع من أمهن الكبرى، وأن ذلك من طبعهن ، فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه ، أو على سبيل الندور، وينبغي لهن أن لا يتمكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع ، بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن، والله المستعان" انتهى من " فتح الباري" (6/368).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب