الثلاثاء 14 شوّال 1445 - 23 ابريل 2024
العربية

حكم التوجع والأنين ، وقول وا جسدي حال المرض

238543

تاريخ النشر : 26-12-2015

المشاهدات : 43952

السؤال


ما حكم قولي وا جسدي ، أو آخ عند الألم هل هذا ينافي الصبر الواجب عند البلاء ؟

الجواب

الحمد لله.


الشكاية والتوجع والأنين في المرض لها حالان :
الأولى: أن يصدر ذلك من المريض من باب الإخبار عن حاله ، أو من باب التنفيس والتخفيف عن النفس ، بسبب شدة الوجع والمرض ، فهذا لا حرج فيه ، ولا ينافي الصبر الواجب .
كأن يقول الشخص : إني مريض أو إني وَجِع ، أو واجسداه ، أو وارأساه ، أو نحو ذلك من العبارات ، أو يُصدر صوتاً يدل على تألمه ووجعه .
وقد روى البخاري في صحيحه (5666) عن أم المؤمنين عَائِشَة رضي الله عنها ، أنها قالت:" وَا رَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرَ لَكِ وَأَدْعُوَ لَكِ) !! فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَا ثُكْلِيَاهْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي ، وَلَوْ كَانَ ذَاكَ، لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ !!
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ) " .
وترجم البخاري رحمه الله ، على هذا الحديث في صحيحه : "بَابُ قَوْلِ المَرِيضِ: " إِنِّي وَجِعٌ، أَوْ وَا رَأْسَاهْ، أَوِ اشْتَدَّ بِي الوَجَعُ" انتهى .
وينظر للفائدة : "فتح الباري" (10/123-124) .
قال ابن مفلح رحمه الله :
" وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: يُخْبِرُ بِمَا يَجِدُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ، لَا لِقَصْدِ شَكْوَى" ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ لَمَّا قَالَتْ : وَا رَأْسَاهْ، قَالَ: (بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ) .
وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُبَارَكِ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّك لَتُوعَكَ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: (أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ). مُتَّفَقٌ عليه .
وفي الفنون : قوله تعالى: ( لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً ) يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِرَاحَةِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الشَّكْوَى عِنْدَ إمْسَاسِ الْبَلْوَى .
قَالَ: وَنَظِيرُهُ: (يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ) و (مَسَّنِيَ الضُّرُّ) و(مَا زَالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدنِي) .
وَفِي "تَفْسِيرِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ" فِي الْآيَةِ الْأُولَى: هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إظْهَارِ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَمَا يَلْحَقُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْأَذَى وَالتَّعَبِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَكْوَى." انتهى ، من "الفروع" (3/255) ، وينظر أيضا : "الآداب الشرعية" له (2/174) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فهذا اجتمع فيه سنتان : إقرارية ، وقولية ؛ أما الإقرارية : فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة عندما قالت : ( وارأساه ) ، وأما القولية : فهو نفسه قال : ( وارأساه ) .
وعليه : فإن الإنسان إذا قال : وا رأساه ، وا بطناه.. ، أو ما أشبه ذلك : فلا حرج ؛ بشرط ألا يقصد بذلك أن يشكو الخالق إلى المخلوق ، بل يقصد التوجع مما قضاه الله عليه .
فإذا كان مجرد خبر : فهذا لا بأس به ، ولاسيما إذا كان يذكر هذا عند من يريد أن يعالجه ؛ لأنه خبر مجرد ، ليس المراد به الاعتراض والتسخط على قضاء الله وقدره .." .
انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/506) .

الثانية : أن يقصد بذلك التوجع والأنين ، شكاية الخالق للمخلوق ، والتسخط والاعتراض على القدر ، فهذا هو المذموم ، وفيه منافاة للصبر .
جاء في " فتح الباري " (10/124) :
" وَجزم أَبُو الطّيب وابن الصَّبَّاغِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ : أَنَّ أَنِينَ الْمَرِيضِ وَتَأَوُّهَهُ مَكْرُوهٌ ، وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ : هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ ، وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ ذَلِكَ ، ثُمَّ احْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْبَابِ ، ثُمَّ قَالَ : فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِالْكَرَاهَةِ خِلَافَ الْأَوْلَى ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالذِّكْرِ أَوْلَى. اهـ .
وَلَعَلَّهُمْ أَخَذُوهُ بِالْمَعْنَى ، مِنْ كَوْنِ كَثْرَةِ الشَّكْوَى ، تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْيَقِينِ ، وَتُشْعِرُ بِالتَّسَخُّطِ لِلْقَضَاءِ ، وَتُورِثُ شَمَاتَةَ الْأَعْدَاءِ .
وَأَمَّا إِخْبَارُ الْمَرِيضِ صَدِيقَهُ أَوْ طَبِيبَهُ عَنْ حَالِهِ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا " انتهى .

وقال ابن القيم رحمه الله :
" وأما الأنين ، فهل يقدح في الصبر ؟ فيه روايتان عن الامام أحمد .
قال أبو الحسين: أصحهما الكراهة ؛ لما روي عن طاوس أنه كان يكره الأنين في المرض ، وقال مجاهد : كل شيء يكتب على ابن آدم مما يتكلم حتى أنينه في مرضه ؛ قال هؤلاء : وإن الأنين شكوى بلسان الحال ينافي الصبر .
والرواية الثانية : أنه لا يكره ولا يقدح في الصبر .
قال بكر بن محمد عن أبيه : سئل أحمد عن المريض يشكو ما يجد من الوجع ، فقال : تعرف فيه شيئا عن رسول الله ؟ قال : نعم ، حديث عائشة : " وارأساه " ، وجعل يستحسنه .
والتحقيق : أن الأنين على قسمين :
1. أنين شكوى ، فيكره .
2. وأنين استراحة وتفريج ، فلا يكره ، والله أعلم " انتهى من " عدة الصابرين" (ص/272) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ولا شك أن أنين المريض إذا كان ينبئ عن تسخط ، فإنه يكتب عليه ، أما إذا كان بمقتضى الحُمَّى ، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها " .
انتهى من " شرح العقيدة السفارينية " لابن عثيمين (ص/424) .
وللفائدة ينظر في جواب السؤال رقم : (228754) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب