الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

هل يجوز للمسلم أن يسأل الله رؤية الملائكة ، أو التحدث إليهم ؟

223499

تاريخ النشر : 19-12-2014

المشاهدات : 49767

السؤال


في السؤال رقم : (70364) قلتم بأنه من الممكن أن يرى البشر الملائكة -عليهم السلام- إذا تمثلوا لهم على شكل بشر إن شاء الله تعالى ، بناء على ذلك ، هل يجوز شرعا أن يدعو المرء الله تعالى بأن يكلم أو يرى ملكا ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
لا يمكن رؤية الملائكة عليهم السلام في صورتهم الحقيقية إلا لنبي ، ويجوز لسائر الناس أن يروهم على هيئات البشر ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (70364) .
ثانيا :
رؤية الملائكة على سبيل الكرامة لا تكون إلا للمؤمنين ، أما غير المؤمنين فلا يرونهم إلا لعقوبتهم ونزول العذاب بهم ، قال تعالى : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) الفرقان/ 22 .
قال السعدي رحمه الله :
" وذلك أنهم لا يرونها ، مع استمرارهم على جرمهم وعنادهم ، إلا لعقوبتهم وحلول البأس بهم " انتهى، من "تفسير السعدي" (ص 581) .
وروى مسلم (2306) عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه ، قَالَ: " لَقَدْ رَأَيْتُ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ يَسَارِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ ، يُقَاتِلَانِ عَنْهُ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ ، مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ " ، وهذان الرجلان كانا من الملائكة .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَلَائِكَةِ لَا تَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ ، بَلْ يَرَاهُمُ الصَّحَابَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ " .
انتهى من "شرح النووي على مسلم" (15/ 66) .
وروى أحمد (20350) عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: " خَرَجْتُ مِنْ أَهْلِي أُرِيدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا أَنَا بِهِ قَائِمٌ ، وَرَجُلٌ مَعَهُ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ ، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُمَا حَاجَةً ، قَالَ الْأَنْصَارِيُّ: وَاللهِ لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، لَقَدْ قَامَ بِكَ الرَّجُلُ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ ، قَالَ : ( وَلَقَدْ رَأيتَهُ ؟ ) ، قُلْتُ: نَعَمْ ، قَالَ: ( أَتَدْرِي مَنْ هُوَ؟ ) ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: ( ذَاكَ جِبْرِيلُ ، مَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ) ، ثُمَّ قَالَ: ( أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ ).
فرؤية الملائكة لا تكون لكل أحد ، إنما هي فضيلة يختص بها الله تعالى من يشاء من عباده الصالحين .

ثالثا :
لا نعرف عن أحد من السلف طلب رؤية الملائكة أو طلب التحدث إليهم وسأل الله ذلك ، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرشدنا إلى سؤال الله تعالى ذلك ، ولم يفعله السلف فإننا لا نفعله اقتداء بهم . فإن السلف الصالح لم يتركوا شيئا من الخير إلا سبقونا إليه .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أهل السنة والجماعة يقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة : هو بدعة ؛ لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه ، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها " .
انتهى من " تفسير ابن كثير " (7 / 278-279) .
وبناء على هذا ؛ فلا يشرع دعاء الله تعالى برؤية الملائكة أو التحدث إليهم .

ويتأكد ذلك بأمرين :
الأول :
أنه لا مصلحة شرعية في هذه الرؤية ، فلا يترتب عليها استحباب شيء ، ولا كراهته ، ولا غير ذلك من المصالح الشرعية الراجحة التي ينبغي أن يكون حرص المسلم على تحصيلها .
الثاني :
أن من يرى الملائكة ، لا يمكنه أن يراهم في صورتهم الملائكية الحقيقية ؛ بل يراهم في صورة بشرية يتمثلون فيها ؛ فإذا كان سيراهم كذلك ، فما فائدة التعني بطلب هذه الرؤية ، إذا كان إنما يرى صورة بشرية كغيرها من الصور التي يراها ؟
وما الفارق الحقيقي أمامه بين هذه الصورة البشرية للملائكة ، والصور البشرية التي يراها أمامه ؟
وكيف سيأمن اللبس الحاصل بين الصورتين ؛ وقد قال الله تعالى : ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ) ، قال الشيخ رشيد رضا ، رحمه الله : " أَيْ لَوْ جَعَلَ الرَّسُولَ مَلَكًا لَجَعَلَ الْمَلَكَ مُتَمَثِّلًا فِي صُورَةِ بَشَرٍ، لِتَمْكِينِهِمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَسَمَاعِ كَلَامِهِ الَّذِي يُبَلِّغُهُ عَنِ اللهِ تَعَالَى، وَلَوْ جَعَلَهُ مَلَكًا فِي صُورَةِ بَشَرٍ لَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ بَشَرٌ لِأَنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَ مِنْهُ إِلَّا صُورَتَهُ وَصِفَاتِهِ الْبَشَرِيَّةَ الَّتِي تَمَثَّلَ بِهَا، وَحِينَئِذٍ يَقَعُونَ فِي نَفْسِ اللَّبْسِ وَالِاشْتِبَاهِ الَّذِي يُلْبِسُونَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِاسْتِنْكَارِ جَعْلِ الرَّسُولِ بَشَرًا ، وَلَا يَنْفَكُّونَ يَقْتَرِحُونَ جَعْلَهُ مَلَكًا، وَقَدْ كَانُوا فِي غِنًى عَنْ هَذَا ، وَإِنَّمَا شَأْنُهُمْ فِيهِ شَأْنُ أَكْثَرِ النَّاسِ حَتَّى الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ فِيمَا يُوقِعُونَ فِيهِ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ بِسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ ، وَمَا يَخْتَرِعُونَهُ مِنَ الشُّبَهَاتِ بِسُوءِ فَهْمِهِمْ ، ثُمَّ يَحَارُونَ فِي أَمْرِ الْمَخْرِجِ مِنْهَا " .
انتهى من " تفسير المنار" (7/263) .

وينبغي للمسلم أن يشتغل بالعمل الصالح وبالأدعية التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تدور كلها حول دخول الجنة والنجاة من النار ، وأن يترك هذه الأماني التي لا عهد للسلف بها .
وليعلم العبد الناصح لنفسه : أن الكرامة الأعظم أن يرزق الله عبده الهداية والاستقامة ، وهذا هو الذي شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندعو الله به ، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" غَايَةُ الْكَرَامَةِ لُزُومُ الِاسْتِقَامَةِ ، فَلَمْ يُكْرِمْ اللَّهُ عَبْدًا بِمِثْلِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ ، وَيَزِيدُهُ مِمَّا يُقَرِّبُهُ إلَيْهِ وَيَرْفَعُ بِهِ دَرَجَتَهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 298) .
ولربما سأل العبد رؤية الملائكة فيريه الشيطان ما يوهمه به رؤيتهم والتحدث إليهم ، وهو في الحقيقة إنما رأى الشياطين وخاطبهم ، فيقع في الفتنة ، كما حصل لكثير من الناس ، ممن قل علمهم ودينهم ، وضعف عقلهم وفهمهم .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب