الثلاثاء 7 شوّال 1445 - 16 ابريل 2024
العربية

اقترضت قرضا ربويا لتمويل دراستها أخذا بفتوى من أفتاها بالجواز

221737

تاريخ النشر : 06-12-2014

المشاهدات : 4273

السؤال


أخذت قرضاً طلابياً بعد أن قيل لي : إنه جائز طالما أن الطالب لم يجنِ مالاً بعد الدراسة يفوق 21 ألف جنيه استرليني سنوياً ، أو 404 أسبوعياً ، أو 1750 شهرياً ، فإن ظل تحت هذه السقوف الثلاثة فلا يلزمه السداد. لكنني في الحقيقة لم أر دليلاً على هذا مع أني سألت عالماً في دار الإفتاء ، لذلك فأنا في حرج ؛ لأن حساب الفائدة قد بدء بمجرد الشروع في الدراسة ، فهل أنا الآن مدينة بهذا القرض فعلياً ؟ وهل سيؤثر ذلك سلباً على بركة الرزق والمال الذي سأجنيه من عملي ، أياً كان ذلك العمل ؟ وماذا يتوجب عليّ أن أفعله الآن ؟ وهل للتعامل مع الربا تأثير على الأعمال الصالحة كالحج وغيره ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
كل قرض اشتمل على شرط ربوي فهو محرم ولو رأى صاحبه أن باستطاعته عدم دفع الفائدة الربوية ، لأنه بمجرد التعاقد فهو قد شارك في عقد ربوي وأعان وأقر عليه ، كما أنه لا يضمن ما في المستقبل فقد يقع ما يلزمه بدفع هذه الفائدة الربوية .
جاء في " قرارات مجمع الفقه الإسلامي " قرار رقم: 108 (2/1) بشأن موضوع بطاقات الائتمان غير المغطاة :
" أولا : لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ، ولا التعامل بها إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية ، حتى ولو كان طالب البطاقة عازما على السداد ضمن فترة السماح المجاني " انتهى من " مجلة المجمع الفقهي الإسلامي " ( 12 / 1979 ترقيم الشاملة ) .

وصورة القرض الدراسي الذي سألت عنه هو نفس صورة هذه البطاقات الائتمانية ، فالإنسان لا يدفع الفائدة إلا تحت شروط معينة وبإمكانه السعي لتجنبها.
ولمزيد الفائدة طالعي الفتوى رقم : ( 136378 ) .

ثانيا :
الذي فهمناه من سؤالك أنك أقدمت على هذا القرض لاعتقادك جوازه أخذا بفتوى دار الإفتاء التي توجهت بسؤالك إليها .
فإذا كان الأمر كذلك ، وكنت تعتقدين أن هؤلاء مؤهلون للفتوى ، فلا حرج عليك فيما سبق ، فإنما دخلت في هذا العقد بتأويل تعذرين فيه ، إن شاء الله ، وليس على المستفتي أكثر من ذلك ، ما دام قد اجتهد في طلب حكم الشرع ، وقد قال الله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) الأحزاب /5.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى :
" فإنّ الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ ورفع إثمه ، كما أرشد إليه في قوله آمرا عباده أن يقولوا : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) .
وثبت في صحيح مسلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ( قَالَ اللَّهُ : قَدْ فَعَلْتُ ) .
وفي صحيح البخاريّ ، عن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : ( إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أجر) .
وفي حديث آخر : ( إن الله تبارك وتعالى رَفَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا يُكْرَهُونَ عليه ).
وقال تبارك وتعالى هاهنا : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) أي : وإنّما الإثم على من تعمّد الباطل " .
انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 11 / 116 - 117 ) .
ثانيا :
ينبغي عليك أن تجتهدي في أداء هذا الدين الذي لزمك ، والخروج من آثاره الربوية ، قدر استطاعتك ، وفي أول فرصة تتاح لك ، ما دمت قد علمت بتحريمه ؛ قال الله تعالى : ( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/275 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ: مَنْ بَلَغَهُ نَهْيُ اللَّهِ عَنِ الرِّبَا فَانْتَهَى حَالَ وُصُولِ الشَّرْعِ إِلَيْهِ ، فَلَهُ مَا سَلَفَ مِنَ الْمُعَامَلَةِ ، لِقَوْلِهِ : عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ [الْمَائِدَةِ: 95] وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "وَكُلُّ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيْ هَاتَيْنِ ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ" وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ الزِّيَادَاتِ الْمَأْخُوذَةِ فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، بل عفا عما سلف ...
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ عَادَ أَيْ: إِلَى الرِّبَا فَفَعَلَهُ بَعْدَ بُلُوغِ نَهْيِ اللَّهِ لَهُ عَنْهُ ، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ: فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " .
انتهى مختصرا ، من " تفسير ابن كثير" (1/709-710) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (84285) ، ورقم : (106610) .

ثالثا :
هذا التعامل الربوي : إذا كنت قد أقدمت عليه لأجل فتوى من أفتاك بأن هذا مباح ، لا إثم فيه ، فلا حرج عليك فيما سبق إن شاء الله ، لأنك قد دخلت في هذا العقد بتأويل سائغ ، وعلى ظن أنه حلال ، فلا يلزمك شيء من إثمه ، أو آثاره ، إن شاء الله .
وهكذا الحال ، لو قدر أنك قد دخلت فيه مخالفة ، وعصيانا ، ثم من الله عليك بالتوبة ، وتركت ما قدرت عليه من ذلك ، فنرجو ألا يكون قد بقي عليك شيء من إثمه ، ولا يلحقك شيء من شؤم أكل الحرام ، ولا التعامل بالربا ، ومن تاب : تاب الله عليه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فالمسلم المتأول : إذا تاب ، يُغفر له ما استحله ، ويباح له ما قبضه ، لأن المسلم إذا تاب أولى أن يغفر له إن كان قد أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك ، فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله " انتهى من " تفسير آيات أشكلت " ( 2 / 578 ) .
وقال :
" والشريعة أمر ونهي ، فإذا كان حكم الأمر لا يثبت إلا بعد بلوغ الخطاب ، وكذلك النهي ، فمن فعل شيئا لم يعلم أنه محرم ، ثم علم ، لم يعاقب ، وإذا عامل معاملات ربوية يعتقدها جائزة وقبض منها ما قبض ، ثم جاءه موعظة من ربه فانتهى ، فله ما سلف " .
انتهى من " تفسير آيات أشكلت " ( 2 / 584 ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب