الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

عبثية الحياة ، والحكمة من الحياة الدنيا بين المؤمن وغيره

218144

تاريخ النشر : 23-06-2014

المشاهدات : 20034

السؤال


أنا فتاه في مقتبل العمر عمري 22 عام . أعيش حياه عاديه جدًا ومليئة بالأخطاء والغفلة وتكاد تكون تصل لحد الملل ولكن أصبحت لا أطيق الحياة وكثيرا ما أردد أريد الموت أو الانتحار وهكذا ، إلا أن ظهرت لي بعد التساؤلات والمخاوف من الله ومن الموت وأتمنى الرد عليها .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
المؤمن الذي يؤمن بالله واليوم الآخر يؤمن بأن هذه الحياة الدنيا لها غاية عظيمة ، وحكمة سامية .
أما غير المؤمن فيعتقد أن هذه الحياة الدنيا عبث لا حكمة لها ولا غاية وراءها .
ولذلك فهذا الشخص غير المؤمن ينساق وراء شهواته ولذاته بلا ضابط ، يريد أن يأخذ منها كل شيء ، وبأية وسيلة ؛ لأنه يراها فرصة لن تعوض ، وأنه مهما عمل في الدنيا فلن يحاسب عليه ، فإنه يرى الموت هو النهاية التي ليس وراءها شيء إلا العدم .
فإذا ما أصيب في الدنيا بشيء يمنعه تلك اللذات .. كالفقر والمرض أو أصيب بفقد حبيب أو صديق ، فإنه يصاب بالأمراض العصبية والنفسية والاكتئاب والقلق أو يتجه إلى الجريمة والمخدرات والشذوذ .
كل هذا لماذا ؟
لأنه لا يؤمن بما وراء هذه الدنيا ، فيرى أنه حرم من المتع واللذات وليس عنده من الإيمان باليوم الآخر ما يعوضه عما فاته من الدنيا ، فيتحسر حسرة عظيمة .
أما المؤمن فإن إيمانه بالله وبدين الإسلام يهديه إلى الإجابة على الأسئلة التي هي أهم أسئلة في حياة الإنسان وعليها تتوقف حياة الإنسان كلها وأخراه .
وهذه الأسئلة هي : من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ وكيف ؟
والإسلام فقط هو الذي يجيب على هذه الأسئلة الإجابة الصحيحة .
من أين ؟ جئنا من عند الله ، هو الذي خلقنا بقدرته ومشيئته .
إلى أين ؟ إلى الله ، لابد من العودة والرجوع إلى الله ليحاسبنا على ما فعلنا في الدنيا ، ثم ينقسم الناس فريقين ، فريق في الجنة وفريق في السعير .
قال الله تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) المؤمنون/115-116 .

لماذا ؟ أي : لماذا خلقنا الله ؟ ما غاية الوجود البشري ؟ وغاية ذلك : عبادة الله تعالى بمعناها الواسع الذي يشمل حياة الإنسان كلها ، قال الله تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56 . وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ) الأنعام/162-163 .

وكيف ؟ أي : كيف يحقق الإنسان هذه الطاعة ؟ وكيف يعيش في الدينا ، وما المنهج الصحيح للحياة ؟
والجواب : المنهج الرباني هو المنهج الصحيح الوحيد ، بأن يعيش الإنسان مع الله في كل لحظة ، ليعبده ويطيعه ويذكره ويعمر الأرض وفق منهج الله .

مأساة البشرية اليوم أن أكثرهم لا يؤمنون بالله ، وبالتالي فهم يؤمنون بعبثية الحياة .
ولذلك إذا نظرنا إلى الغرب اليوم فهم أكثر الدول متعا في الحياة الدنيا ، ومع ذلك هم أكثر دول العالم في عدد الجرائم والشذوذ والأمراض العصبية والنفسية ، والقلق والاكتئاب الذي ينتهي بكثير من الناس إلى الجنون أو الانتحار .
وعدد الجرائم في الدول الغربية يعد بالثانية الواحدة ، فيقال : كم جريمة ترتكب في كل ثانية ؟! جريمة قتل .. اغتصاب ... سرقة ... إلخ .

فالمؤمن – والمؤمن فقط – هو الذي يعيش مطمئنا في هذه الحياة الدنيا ، قال الله تعالى : ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28 .
وقال سبحانه : ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) طه/123 . لا يضل في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا يشقى في الدنيا ولا في الآخرة . ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ) طه/124-126 . أي : معيشة ضيقة صعبة شاقة .

وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97 . فالحياة الطيبة في الدنيا هي جزاء المؤمن الذي يعمل صالحا .

ثانيا :
( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) ، هكذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم .
فليس هناك أحد لا يذنب ، وليس هناك أحد لا يخطئ ، لكن الفرق بين المؤمن وغيره ، أن غير المؤمن إذا سقط في الطريق تمرغ في الوحل ، ولم يقم مرة أخرى .

أما المؤمن فإنه – وإن سقط في الطريق – فإنه يقوم وينفض عن نفسه الغبار ، ويسير في طريق الله ثابتاً مستعينا بالله ، فإن سقط مرة أخرى قام مرة أخرى ، وإن سقط ثالثة قام ثالثة ... وهكذا ، حتى يقدم على الله وهو سائر على الطريق لا ساقط .
قال الله تعالى : ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) آل عمران/134-136 . فالمحسنون يستغفرون الله بعد الذنب ويتوبون إليه ولا يصرون على المعصية .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ) الأعراف/201 . فالمتقون قد يمسهم طائف من الشيطان ، ولكنهم يتذكرون ويرجعون إلى الله .

فاحرصي على التوبة والاستقامة وستعلمين وقتها قيمة الحياة والغاية منها .

نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا صراطه المستقيم .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب