الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

تزوجت رجلا ثم فارقته دون طلاق أو خلع , ثم تزوجت بآخر وبعد مدة طويلة تسأل عن حكم زواجها الأول

215981

تاريخ النشر : 17-11-2014

المشاهدات : 39350

السؤال


تزوجت من رجل يكبُرني بعشر سنوات عندما كان عمري 16 عاماً ، ظناً مني أنه يحبني ، ولكنني اكتشفت بعد الزواج أنه كان مخادِعاً ، فضلاً عن استمراره في شتمي ، مما جعل الحياة معه صعبة للغاية، وبعد ستة أشهر من الزواج سافرت إلى لبنان لزيارة جدتي ، وهناك قررت اغتنام الفرصة لإنهاء هذا الزواج بعيداً عنه، ولذلك جلست في لبنان لمدة طويلة كان خلالها زوجي يقوم بتهديدي لإجباري على العودة ، ولكني لم أرضخ له. وبعد مدة قام أبي بأخذي لأحد المشايخ في القرية لتطليقي من زوجي أو خلعه، حيث لا أدري أيهما كان بالضبط ، فقد كانت لغتي العربية حينها ضعيفة ، وكنت صغيرة في السن. المشكلة هي : أنه لم يدفع لي أي مهر ، بل كل ما كان أننا كتبنا في عقد الزواج أنه سيدفع لي مبلغاً من المال إذا طلقني، وقد سمعت أنّ الزواج لا يصح دون دفع المهر في البداية، فهل هذا يعني أنّ زواجي منه لم ينعقد من الأصل؟ جواب هذا السؤال مهم جداً لي لأنني تزوجت من رجل آخر بعد تلك الحادثة، ومضى على زواجي منه 13 سنة - الحمد لله - وأنا أعيش بسعادة معه ، ولكنني أخشى أن أكون لا زلت أعتبر شرعاً زوجة لزوجي السابق. والمشكلة الثانية هي : أنّ زوجي الحالي لم يدفع لي مهراً معجلاً أيضاً ولكنه وعد إذا طلقني أن يدفع لي مبلغاً معيناً، فما الحكم الشرعي في هذه الحالة؟

الجواب

الحمد لله.

لا شك أنك - أيتها السائلة - قد ارتكبت خطأ كبيرا ، وإثما عظيما بزواجك من هذا الرجل الثاني، دون إنهاء الزواج الأول بطلاق أو خلع , وما فعله هذا الشيخ الذي ذهبت إليه : ليس بطلاق ، ولا خلع ؛ لأنه لا يملك الطلاق ولا الخلع ، فتصرفه في ذلك كالعدم ؛ لأن الطلاق جعله الشرع بيد الزوج فهو وحده الذي يملك إيقاعه ؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنّما الطّلاق لمن أخذ بالسّاق ) - رواه ابن ماجه ( 2072 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه" .

قال الماوردي في شرح الحديث : "فجعله (الطلاق) إلى الأزواج دون غيرهم " انتهى من الحاوي الكبير (10 / 356) . وجاء في "البيان في مذهب الإمام الشافعي" (10 / 318): "والزوج هو الذي يأخذ بالساق" انتهى.

وقال عمر رضي الله عنه : "إنما الطلاق بيد الذي يحل له الفرج " انتهى من "المغني لابن قدامة" (7 / 355) .

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (12 / 490) : "وقد أضاف الله - تعالى - النكاح والطلاق للزوج نفسه، فقال الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ) [الأحزاب: 49] ؛ فأضاف الله الطلاق للناكح ؛ فيكون الطلاق بيده" انتهى. 

وأما الخلع فهو عقد بين الرجل أو وكيله ، وبين زوجته أو وكيلها ؛ وزوجك لم يوكِّل هذا الرجل في إيقاع الخلع ، فثبت أن تصرفه هذا كالعدم , وأن زواجك من هذا الرجل الثاني زواج باطل بالإجماع ؛ حيث إنك محرمة عليه ؛ لأنك متزوجة بغيره , وقد دل على هذا التحريم قول الله جل وعلا : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) النساء / 24 , قال البغوي في تفسيره (2 / 192): "( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) يَعْنِي: ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ، لَا يَحِلُّ لِلْغَيْرِ نِكَاحُهُنَّ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْأَزْوَاجِ، وَهَذِهِ السَّابِعَةُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي حُرِّمَتْ بِالسَّبَبِ" انتهى .

والصورة الوحيدة التي يمكن أن يقع فيها الطلاق ، رغما عن الزوج : هي أن يحكم القاضي الشرعي بتطليقك منه ، للضرر .

ينظر جواب السؤال رقم : ( 184519 ) .

أما ولم يطلقك زوجك بالفعل ، ولم ترفعي أمرك للقاضي ، ليطلقك منه ، إذا ثبت لديه ما يوجب ذلك ؛ فالواجب عليك ـ الآن ـ أن تفارقي هذا الرجل فورا ، لأن بقاءك معه محرم , وفراقك له لا يحتاج إلى فسخ أو طلاق , بل لا يتصور فيه الطلاق أصلا ؛ لأن إيقاع الطلاق ، إنما يتم إذا كان هناك نكاح شرعي ؛ وهنا لم يثبت نكاح بإجماع المسلمين .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (13 / 25) :"والنكاح المتفق على بطلانه : لا يقع فيه الطلاق؛ لأنه باطل، والطلاق فرع عن النكاح، فإذا بطل النكاح ، فلا طلاق، مثل ما لو تزوج أخته من الرضاع غير عالم، فهذا النكاح باطل بإجماع المسلمين، لا يقع الطلاق فيه، وكذلك لو تزوج امرأة وهي معتدة ، فإنه لا يقع الطلاق فيه؛ لأن العلماء مجمعون على أن المعتدة لا يجوز نكاحها ، لقوله تعالى: ( وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ) [البقرة: 235] "انتهى.

وإن كنت قد أنجبت منه أولادا فهؤلاء الأولاد ينسبون إليه ، لأنكما كنتما تظنان صحة الزواج , قال شيخ الإسلام ابن تيمية في النكاح بلا ولي ولا شهود : " إذَا تَزَوَّجَهَا بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَكَتَمَا النِّكَاحَ: فَهَذَا نِكَاحٌ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ...... لَكِنْ إنْ اعْتَقَدَ هَذَا نِكَاحًا جَائِزًا ، كَانَ الْوَطْءُ فِيهِ وَطْءَ شُبْهَةٍ ، يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهِ ، وَيَرِثُ أَبَاهُ  " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32 / 102).

فإذا فارقتِ هذا الرجل ، فيجوز لك أن ترجعي إلى زوجك الأول , وإن لم ترغبي في ذلك ، فاطلبي منه الطلاق ، أو خالعيه , فإذا انتهى زواجك منه بطلاق ، أو خلع صحيح ، فلتنتظري حتى تنتهي عِدّتُك , ثم إن شئتِ أن تتزوجي هذا الرجل الثاني ، فليكن ذلك بعقد جديد ، يتولاه وليُّك.

وأما أن تستمري في هذا النكاح بحجة أن النكاح الأول كان فاسدا لعدم تسمية المهر ، فهذه حجة واهية غير صحيحة ؛ لأن النكاح يصح بدون تسمية المهر أصلا ،كما بيناه في الفتوى رقم : (111127).

على أن زوجك الأول لم ينف المهر رأسا ، وإنما وعدك بمبلغ من المال غير محدد تأخذينه عند الطلاق , فكأنه اعتبر مهرك كله مؤخرا ، وهو نفس الأمر الذي حدث من الرجل الثاني ؛ وهذا جائز ، نعني : تأجيل المهر كله ، أو بعضه ، أو تعجيل بعضه ، وتأجيل بعضه، كما بيناه في الفتوى رقم : (131069) .

ومع أن الواجب أن يكون المهر محددا ، معلوما ، إلا أن عدم تحديد المهر أصلا ، أو الاتفاق على مهر غير محدد : لا يبطل العقد ، وإنما يوجب للزوجة مهر المثل ، كما بيناه في الفتوى رقم : (69843).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب