الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

حكم اللعب بالشطرنج

السؤال

هل لعب الشطرنج (المعروف حالياً) جائز شرعاً؟.

الجواب

الحمد لله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

(الشطرنج متى شغل عما يجب باطنا أو ظاهرا حرم باتفاق العلماء كما لو شغل عن واجب كالصلاة ، أو ما يجب من مصلحة النفس أو الأهل ، أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أو صلة الرحم أو بر الوالدين ، أو ما يجب فعله من نظرٍ في ولاية أو إمامة أو غير ذلك من الواجبات ، فإنه حرام بإجماع المسلمين . وكذلك إذا اشتمل على محرم كالكذب أو اليمين الكاذبة أو الخيانة أو الظلم أو الإعانة عليه أو غير ذلك من المحرمات فإنه حرام بإجماع المسلمين) اهـ بتصرف من مجموع الفتاوى (32/218، 240).

أما إذا لم يشغل عن واجب ولم يتضمن محرماً ، فقد اختلف العلماء في حكمه ، فذهب جمهور العلماء (أبو حنيفة ومالك وأحمد وبعض أصحاب الشافعي) إلى تحريمه أيضاً . واستدلوا على تحريمه بأدلة من كتاب الله تعالى ومن أقوال الصحابة .

أما أدلة القرآن ، فقول الله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)) المائدة/90-91 .

قال القرطبي رحمه الله : هذه الآية تدل على تحريم اللعب بالنرد والشطرنج قمارا أو غير قمار لأن الله تعالى لما حرم الخمر أخبر بالمعنى الذي فيها فقال : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ) فكل لهو دعا قليلُه إلى كثيره وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه وصد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو كشرب الخمر وأوجب أن يكون حراماً مثله اهـ الجامع لأحكام القرآن (6/291) .

وأما أقوال الصحابة :

فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه مَرَّ على قوم يلعبون بالشطرنج فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون . قال الإمام أحمد : أصح ما في الشطرنج قول علي رضي الله عنه اهـ

وسئل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن الشطرنج فقال : هي شَرٌّ من النرد .

و (النرد) أو (النردشير) هو ما يعرف الآن بالزهر الذي تلعب به الطاولة وقد وردت الأحاديث بتحريمه.

روى أبو داود (4938) عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود (4129) .

وروى مسلم (2260) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَده فِي لَحْم خِنْزِير وَدَمه). قال النووي رحمه الله : وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُور فِي تَحْرِيم اللَّعِب بِالنَّرْدِ . وَمَعْنَى (صَبَغَ يَده فِي لَحْم الْخِنْزِير وَدَمه) أي: فِي حَال أَكْله مِنْهُمَا ، وَهُوَ تَشْبِيه لِتَحْرِيمِهِ بِتَحْرِيمِ أَكْلهمَا اهـ.

أقوال بعض العلماء في تحريم الشطرنج :

قال ابن قدامة رحمه الله : وأما الشطرنج فهو كالنرد في التحريم اهـ . المغني (14/155).

وقال ابن القيم رحمه الله : (ومفسدة الشطرنج أعظم من مفسدة النرد ، وكل ما يدل على تحريم النرد فدلالته على تحريم الشطرنج بطريق أولى . . . وهذا قول مالك وأصحابه، وأبي حنيفة وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وقول جمهور التابعين . . . ولا يُعلم أحدٌ من الصحابة أحلها ولا لعب بها ، وقد أعاذهم الله من ذلك وكل ما نسب إلى أحد منهم من أنه لعب بها كأبي هريرة فافتراء وبهت على الصحابة ، ينكره كل عالم بأحوال الصحابة ، وكل عارف بالآثار ، وكيف يبيح خير القرون وخير الخلق بعد رسول الله اللعب بشيء صدُّه عن ذكر الله وعن الصلاة أعظم من صد الخمر إذا استغرق فيه لاعبُه، والواقع شاهد بذلك، وكيف يحرم الشارع النرد ويبيح الشطرنج وهو يزيد عليه مفسدة بأضعاف مضاعفة . . .) اهـ الفروسية (303، 305، 311).

وقال الذهبي رحمه الله : (وأما الشطرنج فأكثر العلماء على تحريم اللعب بها سواء كان برهن أو بغيره أما بالرهن فهو قمار بلا خلاف وأما إذا خلا عن الرهن فهو أيضا قمار حرام عند أكثر العلماء . . . وسئل النووي رحمه الله عن اللعب بالشطرنج أحرام أم جائز ؟ فأجاب رحمه الله تعالى : إن فوت به صلاة عن وقتها أو لعب بها على عوض فهو حرام وإلا فمكروه عند الشافعي وحرام عند غيره . . .) اهـ . الكبائر (89-90) .

للاستزادة يُنظر كتاب (تحريم النرد والشطرنج والملاهي) للآجري ، تحقيق محمد سعيد إدريس .

والله تعالى أعلم ، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يستعملنا في طاعته .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد