الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

رأت منكرات على أم زوجها فهل تأثم بإخبار زوجها ؟ وكيف يتصرف معها ؟

104772

تاريخ النشر : 30-08-2008

المشاهدات : 7036

السؤال

أريد طرح سؤال ، وأتمنى الرد على بريدي الالكتروني ، أم زوجي امرأة مطلقة ، وفاسقة ، فهي تجمع عندها بنات ساقطات ، تتركهم يخرجون ليلاً مع بناتها بلباس عاري ، وهي تفعل هذا أمامي ، ترددت كثيراً في إخبار زوجي ، لكنني لم أتحمل نظرات الناس لي ولزوجي ، عندما آتي عندهم أحس بالإحراج ؛ لأن زوجي يظهر كالمغفل ، فقررت إخباره بالقليل تفادياً لإحراجه ، فقال : إنه يعرف القليل ، وقد سبق وأنذرها ، لكنها لم تبالي ، وهو يشعر بالخجل عندما يذهب عندها ، فقرر أن يقطع هذه الصلة ، فهل عليه إثم أو ذنب في ذلك ؟ وهل أنا عليَّ ذنب لأني أخبرته ؟ . أرجو منكم الرد قريبا ، ولكم مني جزيل الشكر .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
لستِ آثمة في إخبار زوجك بتصرفات والدته وبناتها ، وهذا هو الذي أوجبه الله تعالى عليكِ ؛ لأن ما رأيتيه من تصرفاتها منكر وفحش ، لا بدَّ من إنكاره ، والسعي في تغييره ، إما بنفسه ، أو بالاستعانة بغيره ممن يقدر على الإنكار أو التغيير .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) .
رواه مسلم ( 49 ) .
قال النووي رحمه الله:
قال القاضي عياض رحمه الله : هذا الحديث أصل في صفة التغيير ، فحق المغيِّر أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به ، قولاً كان ، أو فعلاً ، فيكسر آلات الباطل ، ويريق المسكر بنفسه ، أو يأمر من يفعله ، وينزع الغصوب – أي : الأشياء المغصوبة - ويردها إلى أصحابها بنفسه ، أو بأمره إذا أمكنه ... .وإن وجد مَن يستعين به على ذلك : استعان .
" شرح مسلم " ( 2 / 25 ) .
ثانياً:
الواجب على زوجكِ أن ينكر منكر أمه ، وأن يبذل جهده في تغييره ، ويبدأ الإنكار على والدته برفق ، فصاحب المعصية في غفلة ، وجهالة ، ويحتاج لمن يترفق به ليدله على قبح فعله ، وشناعة معصيته ، وإذا كان الرفق مطلوباً مع الآخرين أن يُبذل لهم فإنه مع الوالدة يكون أشد طلباً ، فإن نفع الرفق فهو خير ، وإلا جاز له استعمال الغلظة والشدة ، إذا رأى نفعها .
قال النووي – رحمه الله - :
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " فليغيِّره " : فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة ، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : الكتاب ، والسنَّة ، وإجماع الأمة ، وهو - أيضاً - من النصيحة التي هي الدِّين .
" شرح مسلم " ( 2 / 22 ) .
وقال رحمه الله:
قال القاضي عياض رحمه الله : ويرفق في التغيير جهده ، بالجاهل ، وبذي العزة الظالم المخوف شرُّه ؛ إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله ، كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح ، والفضل لهذا المعنى .
ويغلظ على المتمادي في غيِّه ، والمسرف في بطالته ، إذا أمن أن يؤثر إغلاظه ، منكراً أشد مما غيره ؛ لكون جانبه محميّاً عن سطوة الظالم .
فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبِّب منكراً أشد منه : من قتله ، أو قتل غيره ، بسبب كف يده : اقتصر على القول باللسان ، والوعظ ، والتخويف ، فإن خاف أن يسبِّب قوله مثل ذلك : غيَّر بقلبِه ، وكان في سعة ، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى ، وإن وجد مَن يستعين به على ذلك : استعان .
" شرح مسلم " ( 2 / 25 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
حديث " تغيير المنكر " هل المقصود لكي يتغير المنكر أن نترك المكان الذي به منكر ، أم نظل ، ونكرهه ، وننكره بقلوبنا ؟ .
فأجابوا :
المسلمون في إنكار المنكر درجات، منهم من يجب عليه إنكار المنكر بيده ، كولي الأمر ، ومن ينوب عنه ، ممن أعطي صلاحية لذلك ، كالوالد مع ولده، والسيد مع عبده ، والزوج مع زوجته ؛ إن لم يكُف مرتكب المنكر إلا بذلك، ومنهم مَن يجب عليه إنكاره بالنصح ، والإرشاد ، والنهي ، والزجر ، والدعوة بالتي هي أحسن، دون اليد، والتسلط بالقوة؛ خشية إثارة الفتن ، وانتشار الفوضى ، ومنهم من يجب عليه الإنكار بالقلب فقط ؛ لضعفه نفوذاً، ولساناً ، وهذا أضعف الإيمان ، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في قوله : ( مَن رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
وإذا كانت المصلحة الشرعية في بقائه في الوسط الذي فشا فيه المنكر أرجح من المفسدة ، ولم يخش على نفسه الفتنة : بقي بين من يرتكبون المنكر ، مع إنكاره حسب درجته، وإلا هجرهم محافظة على دينه .
الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 12 / 335 ) .
فأنتِ ترين من كلام العلماء أن على المنكِر ، والراغب بتغيير المنكر أن يسلك الطرق الحكيمة في ذلك ، فيرغِّب حيث ينفع الترغيب ، ويرهِّب حيث يُجدي الترهيب ، ويستعمل لسانه في حال ، ويده في حال ، والمنكَر الذي يراه الولد على أمه وأبيه ليس مثل أن يراه على ابنه أو ابنته ، فهو في الحال الثانية يملك أن يباشر التغيير باليد ، بخلاف حاله مع أمه وأبيه .
وتبين لنا – أيضاً – أنه لا مانع من أن يبقى زوجكِ على علاقة مع أمه حتى لو استمرت على فعل المنكر إن رأى أن في ذلك مصلحة شرعية ، كما لو كان في بقائه معها ما يدعوها إلى ترك المنكر ، أو التقليل منه ، ولا يبدأ بالهجر ؛ لأن الهجر لا يراد لذاته في الشرع ، بل لما يؤدي إليه من نفع وفائدة للمهجور ، أو من خطر على الهاجر ، فإن رأى زوجكِ أن بقاءه على علاقة مع أمه فيه نفع لها ، أو كف لشرٍّ أكبر : بقي معها ، ولم يهجرها ، وإن رأى خطراً على حياته وحياة أسرته وأولاده ، أو دينه ، أو عرضه ، هو وأسرته ، من تلك العلاقة ، ولم ير نفعاً لها لقربه منها : جاز له الهجر حفاظاً على دينه ، وعلى دين أسرته .

ثالثاً:
منكر البنات هو أيضاً مما يجب على زوجك أن ينكره عليهن ، وأن يسعى في تغييره ، وليستعن على ذلك بربه تعالى أن يوفقه لهذا ، وليستعن بأشقائه ، أو بأحدٍ من أقربائه عليهن ، وليعلموا أنه يجب عليهم جميعاً السعي لكفهنَّ عن الخروج والتبرج وصحبة الفاسقات ، وإذا لم ينفع التلطف في الإنكار والتغيير : جاز لهم حبس الأم وبناتها في البيت ، وجاز لهم تقييدهن جميعاً ، مع البر والإحسان إليهن بالطعام والكسوة ، وهذا الفعل قد يستطيعه أناس وقد يكون مستحيلاً على آخرين ، ويمكن أن لا يترتب عليه شيء في بلد ، ويترتب عليه أشياء كثيرة تضر بهم في بلد آخر ، فليقدروا ذلك ، وإنما أردنا بيان جواز ذلك ، فإن رأوا قدرتهم على ذلك ، وعدم ترتب مفسدة عليه : فليبادروا لفعله .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن امرأة مزوجة بزوج كامل ، ولها أولاد ، فتعلقت بشخص من الأطراف أقامت معه على الفجور ، فلما ظهر أمرها : سعت في مفارقة الزوج ، فهل بقي لها حق على أولادها بعد هذا الفعل ؟ وهل عليهم إثم في قطعها ؟ وهل يجوز لمن تحقق ذلك منها قتلها سرّاً ؟ وإن فعل ذلك غيره يأثم ؟ .
فأجاب :
الواجب على أولادها وعصبتها أن يمنعوها من المحرمات ، فان لم تمتنع إلا بالحبس : حبسوها ، وإن احتاجت إلى القيد : قيدوها ، وما ينبغي للولد أن يضرب أمَّه ، وأما برُّها : فليس لهم أن يمنعوها برَّها ، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن بذلك من السوء ، بل يمنعوها بحسب قدرتهم ، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة رزقوها وكسوها ، ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتل ولا غيره ، وعليهم الإثم في ذلك .
" مجموع الفتاوى " ( 34 / 177 ، 178 ) .
وانظري أجوبة الأسئلة : ( 10081 ) و ( 11403 ) و ( 33757 ) .

والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب