هل من البدعة التهليل مئة مرة بعد الصبح، ومئة مرة بعد العصر؟

04-05-2024

السؤال 503868

هل قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ١٠٠ مرة كل يوم بعد الفجر والعصر جيد، أم أنه بدعة؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ثبت في السّنّة الحث على قول هذا الذكر، العظيم الشأن؛ لكن من غير تقييد بصباح أو مساء.

فروى البخاري (3293 و6403)، ومسلم (2691)، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ: كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ ).

وقد ترجم الإمام النووي، رحمه الله في "الأذكار (49)": "بابٌ مختصر في أحرفٍ مما جاء في فضل الذكر غير مقيّدٍ بوقت". وذكر فيه هذا الحديث. (انظر: رقم 87).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" وظاهر إطلاق الحديث: أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث من قال ‌هذا ‌التهليل ‌مائة ‌مرة في يومه، سواء قاله متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره، لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار، ليكون حرزا له في جميع نهاره " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (17 / 17).

وما قرره الإمام النووي من استحباب قول ذلك في أول النهار، ذكره كذلك غير واحد من أهل العلم وشراح الحديث.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله:

"ويشرع لكل مسلم ومسلمة أن يقول في صباح كل يوم ‌لا ‌إله ‌إلا ‌الله ‌وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، حتى يكون في حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي؛ لما تقدم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ..". انتهى، من "المجموع المفيد الممتاز من كتب العلامة ابن باز" (ص145).

بل قد جاء هذا الذكر بعينه، مقيدا بـ"إذا أصبح" .. و"إذا أمسى".

فروى النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص 383)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (ص 65)، والطبراني في "الدعاء" (ص125): عن عُبَيْد اللَّهِ بْن مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ‌مِائَةَ ‌مَرَّةٍ ‌إِذَا أَصْبَحَ، وَمِائَةَ مَرَّةٍ إِذَا أَمْسَى، لَمْ يَأْتِ أحد بِأَفْضَل مِنْهُ؛ إِلَّا من قَالَ أفضل من ذَلِك ).

وهذا إسناد رواته ثقات إلى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.

ونسخة "عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" لا تنزل عن رتبة الحديث الحسن، إن كان الراوي عنه ثقة، كما هو حال هذا الإسناد، وخاصة في مسألة من مسائل فضائل الأعمال التي قد ثبت أصل سنيتها.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

" ولسنا ممن نعد نسخة عمرو، عن أبيه، عن جده، من أقسام الصحيح الذي لا نزاع فيه؛ من أجل الوِجادة، ومن أجل أن فيها مناكير.

فينبغي أن يُتأمل حديثه، ويُتحايد ما جاء منه منكرا، ويُروى ما عدا ذلك في السنن ‌والأحكام، ‌محسنين ‌لإسناده، فقد احتج به أئمة كبار، ووثقوه في الجملة، وتوقف فيه آخرون قليلا، وما علمت أن أحدا تركه " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (5 / 175).

وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

" وهذا إسناد حسن، للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

ولذا قال في "الفتح" (11 / 202) : إسناده صحيح إلى عمرو " انتهى. "السلسلة الصحيحة" (6 / 620).

ولعله لذلك درج غير واحد من المصنفين في الأذكار، وأعمال اليوم والليلة؛ يذكرونه في "أذكار الصباح والمساء".

قال المنذري، رحمه الله في كتابه الترغيب والترهيب للمنذري (1/ 447): ‌‌الترغيب في آيات وأذكار يقولها إذا أصبح وإذا أمسى. فذكر فيه هذا الحديث (انظر: رقم 8 من أحاديث الباب).

ثانيا:

ورد هذا الذكر كذلك مقيدا بأذكار الصباح والمساء، لكن ذُكِر العدد فيه: عشر مرات.

فقد روى الإمام أحمد في "المسند" (14 / 336) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَنْ قَالَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ حِينَ يُصْبِحُ، كُتِبَ لَهُ بِهَا مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَ عَنْهُ بِهَا مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ عَدْلَ رَقَبَةٍ، وَحُفِظَ بِهَا يَوْمَئِذٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي، كَانَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ ).

قال محققو المسند:

" إسناده صحيح على شرط الشيخين " انتهى.

وكما عند الإمام أحمد في "المسند" (38 / 501 - 502) وابن حبان (5 / 369)، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ بِهِنَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكُنَّ لَهُ عَدْلَ عَتَاقَةِ أَرْبَعِ رِقَابٍ، وَكُنَّ لَهُ حَرَسًا مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ دُبُرَ صَلَاتِهِ فَمِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ ).

وحسنه الشيخ الألباني وله طرق وشواهد ذكرها في "السلسلة الصحيحة" (6 / 134 – 137).

ثالثا:

قوله في الحديث: ( وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ ):

قال أبو الوليد الباجي، رحمه الله: "وقوله: (‌ولم ‌يأت ‌أحد ‌بأفضل مما جاء إلا أحد عمل أكثر من ذلك): تنبيه على أن هذا غايةٌ في ذكر الله تعالى، وأنه قل ما يزيد عليه، ولذلك قال: (‌ولم ‌يأت ‌أحد ‌بأفضل مما جاء). ولو لم يُفد ذلك، لبطلت فائدة الكلام؛ لأن كل ما أتى إنسان ببعضه، فإن أحدا لا يأتي بأفضل مما جاء به، إلا من جاء بأكثر من ذلك. لكنه أفاد بذلك أن هذا غاية في بابه.

ثم قال: (إلا رجل عمل أكثر من ذلك): لئلا يظن السامع أن الزيادة على ذلك ممنوعة، كتكرار العمل في الوضوء.

ووجه ثان: وهو يحتمل أن يريد لا يأتي أحد من سائر أبواب البر، بأفضل مما جاء به، إلا رجل عمل من هذا الباب أكثر من عمله". انتهى، من المنتقى شرح الموطإ (1/ 354).

وقال أبو العباس القرطبي، رحمه الله" "و(قوله: إلا أحد عمل أكثر من ذلك) أي: قال، فسمى القول عملا، كما قد صرح به في الرواية الأخرى. والذكر من الأعمال التي لا تنفع إلا بالنية والإخلاص". انتهى، من المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/ 21).

وقال البدر الفيومي، رحمه الله: "هذا الحديث: فيه دليل على أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم، كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة، ويكون له ثواب آخر على الزيادة. وليس هذا من الحدود التي نهي عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها، وأن زيادتها لا فضلَ فيها، أو تبطلها، كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "إلا رجلا عمل أكثر منه": الكثرة من أعمال الخير، لا من نفس التهليل.

ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة، سواء كانت من التهليل أو من غيره، ولعل هذا الاحتمال أظهر والله أعلم.

وظاهر إطلاق الحديث: يقتضي أنه يحصل هذا الأجر المذكور في هذا الحديث لمن قال هذا التهليل مائة مرة في يومه، سواء قاله متواليا أو متفرقا في مجالس أو بعضها في أول النهار، وبعضها آخره؛ لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار، لتكون حرزا له في جميع نهاره. والله أعلم". انتهى، من فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (4/ 339).

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله: "وهذا يدل على أن من زاد فلا بأس، أو يذكر الله مائتين، أو ألف مرة؛ كله خير، له مزيد من الأجر والخير". انتهى، من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» لابن باز (26/92).

الخلاصة:

قول " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "، ثبت أن السنة فيه أن يقال مائة مرة في اليوم.

ومن بدأ بها نهاره، فقالها متوالية، في أوله: فهو أفضل.

ومن قاله مائة مرة بعد الصبح على أنه من أذكار الصباح، ومائة مرة بعد العصر على أنه من أذكار المساء: فهو حسن مشروع.

ومن اقتصر على عشر، إذا أصبح، وإذا أمسى: فهو حسن، وقد ورد في السنة الحث عليه.

وينبغي أن يكون ذلك في المرة بعد المرة، إذا غلبه نوم، أو شغل، أو نحو ذلك؛ فيأتي بصورة من المشروع، ولا يترك هذا الذكر بالكلية؛ لشرفه، وعظم موقعه.

ومن ذلك على ذلك، فقاله في يومه: مئات، بدل مائة، أو عشرات، بدل عشر؛ فهو حسن مشروع، وفي لفظ الحديث ما يساعد عليه؛ وفاعل ذلك على خير وليس بمبتدع.

والله أعلم.

الأذكار الشرعية
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب