هل حب الناس للعبد دليل على حب الله تعالى له؟

27-11-2023

السؤال 468888

راودني سؤال بما يتعلق بالقبول الذي ينزل على العبد في قلوب الناس عندما يحبه الله تعالى، وذلك استنادا على الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا أحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحْبِبْهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ). إذن هل محبة الناس هي مقياس لمحبة الله تعالى لي؟ أو بالأحرى يمكن اعتبارها إحدى المقاييس لذلك؟ ومن الجانب الآخر وفي حال أن تكون الإجابة ب "نعم"، نجد أن هناك أُناسا يكرهوننا بلا سبب، ودون أن نؤذيهم، ولا أن نعرفهم حتى، فهل يمكن أن يكون هؤلاء أيضا مقياسا لحب الله تعالى لنا؟ وأيضا أجدُ بالعادة أُناسا يكرهونني رغم عدم أذيتي لهم، ورغم إحساني إليهم، وأنا صراحة بطبيعتي إنسانة تحب الجميع، وحريصة على أن تتمنى الخير للناس كما تتمناه لنفسها، في هذه الحالة أيضا سيكون حب الناس هو مقياس لحب الله تعالى لي؟

الجواب

الحمد لله.

قد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المعنى المذكور؛ أن الشخص الذي يحبه الله تعالى يجعل له القبول في قلوب أهل الأرض.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ ) رواه البخاري (7485)، ومسلم (2637).

فوجود القبول والمودّة في قلوب الناس لمسلم قائم بشرائع الله تعالى، فيه إشارة إلى محبة الله تعالى له، وخاصة إذا كان هذا القبول في قلوب أهل الإيمان والصلاح، وكان بعد وفاته.

عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: " مَرُّوا بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَجَبَتْ)، ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: (وَجَبَتْ) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: (هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ) رواه البخاري (1367)، ومسلم (949)، ورواه البخاري (2642) بلفظ : (شَهَادَةُ القَوْمِ المُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ).

قال ابن الملقن رحمه الله تعالى:

" وقوله في الحديث الأول: ( فيوضع له القبول في الأرض ) يعني: عند الصالحين، ليس عند جميع الخلق، والذي يوضع له بعد موته أكثر منه في حياته " انتهى من "التوضيح" (33/ 419).

والأدلة الشرعية تدل على أن معنى هذا الحديث مقيّد بأن لا تكون هناك أسباب ليست من اكتسابه تجلب له البغض.

كالمخالفة في العقيدة، فأهل الكفر تقع في قلوبهم البغضاء للمؤمنين.

قال الله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) آل عمران/118.

وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: " جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ، أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ" رواه البخاري (3825)، ومسلم (1714).

وقد يبغض بعض الناس المؤمن بسبب الحسد والتنافس، أو بسبب سوء أخلاقهم، أو لعلة واضطراب في المزاج، فلا يلزم من بغض بعض الناس لمسلم أن يكون هذا العبد المسلم لا يحبه الله تعالى، بل قد يكون مظلوما.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَالَ: ( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ ) رواه مسلم (2558).

وكثيرا ما يزول هذا البغض ويظهر الإنصاف بعد الوفاة، حيث تزول أسباب الحسد والبغض كالتنافس.

وطالعي لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (126928).

وينبغي التنبه إلى أن محبة العباد هي بشرى، وليست هدفا يسعى إليه، بل العبد يكون قصده الأول طلب رضوان الله تعالى ومحبته، وفي سعيه إلى الحصول على محبة الله تعالى، عليه أن يحرص على أن تكون همته مجموعة على النظر إلى حاله في اتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن تحصيل محبة الله تعالى؛ إنما تحصل بتمام المتابعة لما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى:

( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران/31 - 32.

وبالنظر إلى حاله في القيام بالواجبات ونوافل الطاعات ومحاسن الأخلاق، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ) رواه البخاري (6502).

فهذا هو المقياس والميزان الذي على العبد أن يداوم على وزن نفسه به.

وطالعي لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم: (27232)، ورقم: (311061).

الخلاصة:

وجود القبول والمودة لمسلم مستقيم على شرع الله تعالى، في قلوب الناس وخاصة في قلوب المؤمنين الذين يكون حبهم وبغضهم لله تعالى، يكون في هذا إشارة إلى محبة الله تعالى لهذا العبد.

وهذه المحبة أمر يحصل بالتبع، لطاعة الله تعالى، وإخلاص الدين له، وليست هدفا يسعى المؤمن إليه، ولا مقياسا يقيس به حاله، وأعماله.

وبغض الناس لمسلم ظاهره الصلاح وحسن الخلق لا يلزم منه بغض الله تعالى له، لاحتمال أن يكون هذا البغض من الناس دافعه الظلم وسوء الخلق من المُبغِض.

والله أعلم.

الرقائق
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب