هل عرض بعض الصحابة الرشوة على ابن عمر للمبايعة على الخلافة؟

05-03-2023

السؤال 441044

جرير بن حازم: عن يعلى، عن نافع، قال: " قال أبو موسى يوم التحكيم: لا أرى لهذا الأمر غير عبد الله بن عمر، فقال عمرو بن العاص لابن عمر: إنا نريد أن نبايعك، فهل لك أن تعطى مالا عظيما على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك؟ فغضب، وقام، فأخذ ابن الزبير بطرف ثوبه، فقال: يا أبا عبد الرحمن إنما قال: تعطي مالا على أن أبايعك. فقال: والله لا أعطي عليها ولا أعطى ولا أقبلها إلا عن رضى من المسلمين، لماذا عرض بعض الصحابة المال للمبايعة؟ وهل في ذلك رشوة؟

الجواب

الحمد لله.

هذا الخبر رواه أبو نعيم في الحلية" (1/293)، ومن طريقه رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (31/184): عن أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، حدثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الثَّقَفِيُّ، حدثَنَا عَبْدُ اللَّهِ [لعل الصواب: عبيد الله] بْنُ جَرِيرِ بْنِ جَبَلَةَ، حدثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَعْلَى، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ:

" لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَيَّامَ حُكِّمَا، قَالَ أَبُو مُوسَى: لَا أَرَى لِهَذَا الْأَمْرِ غَيْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ عَمْرٌو لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُبَايِعَكَ فَهَلْ لَكَ أَنْ تُعْطَى مَالًا عَظِيمًا عَلَى أَنْ تَدَعَ هَذَا الْأَمْرَ لِمَنْ هُوَ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْكَ؟ فَغَضِبَ ابْنُ عُمَرَ، فَقَامَ، فَأَخَذَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّمَا قَالَ: تُعْطَى مَالًا عَلَى أَنْ أُبَايِعَكَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيْحَكَ يَا عَمْرُو! قَالَ عَمْرٌو: إِنَّمَا قُلْتُ: أُجَرِّبُكَ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا وَاللَّهِ لَا أُعْطِي عَلَيْهَا شَيْئًا، وَلَا أُعْطَى، وَلَا أَقْبَلُهَا إِلَّا عَنْ رِضًى مِنَ الْمُسْلِمِينَ".

وهذا خبر رجاله ثقات غير شيخ أبي نعيم: أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، فلا يعرف حاله.

وقال الذهبي رحمه الله تعالى:

" قال جرير بن حازم، عن يعلى، عن نافع، قال: قال أبو موسى: لا أرى لها غير ابن عمر، فقال عمرو لابن عمر: أما تريد أن نبايعك؟ فهل لك أن تعطى مالا ‌عظيما ‌على ‌أن ‌تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك. فغضب ابن عمر وقام. رواه معمر. عن الزهري " انتهى. "سير أعلام النبلاء" (مجلد سير الخلفاء الراشدين/ 274).

ورواية معمر عن الزهري لم نقف على إسنادها.

وعلى فرض صحة الخبر، فقد بيّن عمرو بن العاص رضي الله عنه عذره، وأنه لاختبار مدى حرص ابن عمر على تولي الخلافة.

فظاهر الخبر لا يدل على جواز أخذ المال للحصول على البيعة، فهو أمر قد استنكره ابن عمر وعمرو بن العاص رضي الله عنهما، فاستنكار ابن عمر ظاهر من رفضه، واستنكار عمرو ظاهر من بيانه لعذره في اقتراحه ذلك.

وما عرف من عمرو رضي الله عنه إلا النصح للمسلمين، ولهذا ولّاه النبي صلى الله عليه وسلم، وولّي في الفتوحات.

قال ابن حجر رحمه الله تعالى:

" ولما أسلم كان النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم يقرّبه ويدنيه لمعرفته وشجاعته، وولّاه غزاة ذات السلاسل، وأمدّه بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح، ثم استعمله على عمان، فمات وهو أميرها، ثم كان من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام في زمن عمر... " انتهى من "الإصابة" (7/412).

ثم يقال أيضا:

إن غاية ما هناك أن يكون هذا اجتهادا منه رضي الله عنه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغيِّر عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون.

وهم مع ذلك [يعني : أهل السنة والجماعة] لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم، وصغائره؛ بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنهم خير القرون )، وأن ( المُدَّ من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم ).

ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب، فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء الدنيا كفر به عنه.

فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور؟

ثم القدر الذي ينكَر من فعل بعضهم: قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم، من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح.

ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما منّ الله به عليهم من الفضائل: علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم صفوة الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله " انتهى من "الواسطية" (120-122 ).

فالواجب على المسلم أمام هذه الأخبار عدم الخوض فيها، وإحسان الظن بهم رضوان الله عليهم أجمعين.

قال ابن بطة رحمه الله تعالى:

" ومجمعون على الترحم على جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستغفار لهم، ولأزواجه، وأولاده، وأهل بيته، والكف عن ذكرهم إلا بخير، والإمساك وترك النظر فيما شجر بينهم " انتهى من " الإبانة الكبرى" ( 2/ 558).

والله أعلم.

التاريخ والسيرة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب