بولس في نظر المسلمين

27-09-2022

السؤال 395874

أعرف أننا لا نؤمن ببولس من النصرانية، لكن هل نؤمن بنبي أو رجل عظيم من الإسلام كان اسمه بولس؟

الجواب

الحمد لله.

بولس في النصرانية اشتهر بهذا الاسم بولس البنياميني.

وهو أحد اليهود الذين أظهروا اتباع عيسى عليه السلام بعد أن رفعه الله تعالى، وله دور كبير في تاريخ دين النصارى.

قال محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى:

" في حكاية بدايته ونهايته نعتمد على المصادر المسيحية وحدها، كسنتنا فيما أسلفنا من القول، حتى لا نتزيد عليهم، ولكي نعرض الرجل كما هو عندهم.

في سفر أعمال الرسل تفصيل لحياة بولس، وقد أخذت أعماله من ذلك السفر الشطر الأكبر.

وقد جاء فيه: أن مولده كان في طرسوس، وتربى في أورشليم، واسمه الأصلي شاول. وهذا نص الفقرة الثالثة من الإصحاح الثاني والعشرين حكاية عنه: " أنا رجل يهودي ولدت في طرسوس كيليكة، ولكن ربيت في هذه المدينة " (أورشليم) .

ولقد جاء أنه من الفريسيين الذين يقولون: إن هناك قيامة يشاركون فيها ملك المسيح في الدنيا...

ونجد كُتَّاب المسيحية متفقين على أنه من اليهود...

ومهما يكن من أمر جنسه، فقد كان بولس هذا في صدر حياته من أشد أعداء المسيحية، وأبلغهم كيدا لها، وأكثرهم إمعانا في أذى معتنقيها، كما يدل على ذلك ما جاء في سفر الأعمال في مواضع كثيرة منه...

ولكن سفر الأعمال يقول: إن ذلك الرجل الذي كاد للمسيحية هذا الكيد، وآذى أهلها ذلك الإيذاء، قد انتقل من الجبت والطاغوت إلى المسيحية، فجأة؛ من غير مقدمات تقدمت ذلك الانتقال، ولا تمهيدات مهدت له...

ودخل بولس أو شاول في المسيحية، وحاول أن يتصل بتلاميذ المسيح، ولكنهم أوجسوا منه خيفة، ولم يصدقوا إيمانه، ولكن شهد له برنابا الذي حدثناك عنه بالإيمان، وما حدث له في الطريق...

ومن ذلك الوقت صار بولس القوة الفعالة، والحركة الدائبة في الدعاية للمسيحية، كما تدل على ذلك عبارات سفر الأعمال، وقد اصطحب في رحلاته برنابا، حتى اختلفا كما ذكرنا في الكلام على برنابا - فلما اختلفا افترقا.

وهناك نجد حلقة مفقودة، فلم يبين لنا سفر الأعمال: على من تلقى مبادئ المسيحية التي أخذ يبشر بها، والتي دونها في رسائله الأربع عشرة، والتي يضيف إليها بعض الكتاب سفر الأعمال، وينسبه إليه بدل نسبته إلى لوقا؟ لم تبين لنا الكتب المسيحية على من تلقى مبادئ المسيحية؟ ولعلهم يعتقدون أنه ليس في حاجة إلى التلقي، لأنه انتقل من مرتبة الكافر المناوئ، إلى مرتبة الرسل في المسيحية، صار ملهماً ينطق بالوحي في اعتقادهم، فلم يكن في حاجة إلى التعلم والدراسة، لأن الوحي كفاه مؤونة الدرس وتعبه.

لقد أخذ بوليس في التطواف في الأقاليم ينشئ الكنائس، ويقوم بالدعاية ويلقي الخطب، وينشئ الرسائل، حتى كانت رسائله هي الرسائل التعليمية بما اشتملت عليه من مبادئ في الاعتقاد، وبعض الشرائع العملية، وقد قالوا: إنه قتل في اضطهادات نيرون سنة 66 أو سنة 67 على الخلاف في ذلك" انتهى من "محاضرات في النصرانية" (ص71-74).

والواقع: أن بولس لم يكن نبيا، قطعا؛ لأن ما بين عيسى عليه السلام وبين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك نبي.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى، الْأَنْبِيَاءُ أَبْنَاءُ عَلَّاتٍ، وَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيسَى نَبِيٌّ رواه البخاري (3443)، ومسلم (2365) واللفظ له.

أما اعتقاد صلاحه.

فليس عندنا من أخباره إلا ما أتت به كتب أهل الكتاب، ولم يرد له ذكر في الوحي الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم.

وما ينسب لبولس هذا من كتب وآثار، استخلص منها جمع من المحققين من المسلمين ومن النصارى أنفسهم؛ أنه كان له دور ظاهر في انحراف النصارى عن دعوة عيسى عليه السلام.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

"وقد ذكر أهل العلم أن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق: عبد الله بن سبأ؛ فإنه أظهر الإسلام وأبطن اليهودية، وطلب أن يفسد الإسلام، كما فعل بولص النصراني الذي كان يهوديا، في إفساد دين النصارى" انتهى من "مجموع الفتاوى" (28/483).

وقال محمد رحمت الله الهندي رحمه الله تعالى:

" كلام بولس على تقدير صحة النسبة إليه أيضا: ليس بمقبول عندنا؛ لأنه عندنا من الكاذبين الذين كانوا قد ظهروا في الطبقة الأولى، وإن كان مقدساً عند أهل التثليث، فلا نشتري قوله بحبة، والحواريون الباقون بعد عروج عيسى عليه السلام إلى السماء نعتقد في حقهم الصلاح، ولا نعتقد في حقهم النبوة، وأقوالهم عندنا كأقوال المجتهدين الصالحين؛ محتملة للخطأ، وفقدان السند المتصل إلى آخر القرن الثاني" انتهى من "اظهار الحق" (2/387).

فمن ظهرت له صحة له هذا القول الثاني: فله أن يعتقد بضلال هذا الشخص.

ومن لم يظهر له شيء من ذلك، ولا يعلم - بسبب كثرة الكذب والتحريف عند أهل الكتاب - هل بولس هو الكاذب أو هناك من حرف كلامه بعده؟ فيكل حاله إلى الله تعالى، ويتبع ما ورد في حديث ابْن أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ رواه أبوداود (3644)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/712).

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

"وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن لأمته أن تحدث عن بني إسرائيل، ونهاهم عن تصديقهم وتكذيبهم، خوف أن يصدقوا بباطل، أو يكذبوا بحق.

ومن المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات؛ في واحدة منها يجب تصديقه، وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه، وفي واحدة يجب تكذيبه، وهي ما إذا دل القرآن أو السنة أيضا على كذبه، وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق، كما في الحديث المشار إليه آنفا: وهي ما إذا لم يثبت في كتاب ولا سنة صدقه ولا كذبه" انتهى من "أضواء البيان" (4/238).

والله أعلم.

أديان
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب