هل تكون رؤيا الكافر إن صدقت جزءا من النبوة؟

04-12-2022

السؤال 378790

كيف أوفق بين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصحيحة جزء من النبوه)، وما ثبت من رؤى لغير المسلمين بنص القرآن الكريم؛ كرؤيا فرعون، ورؤيا الملك في قصة سيدنا يوسف؟

ملخص الجواب:

رؤيا الكافر إن صدقت فإنها لا تكون جزءا من النبوة أو الوحي؛ لأن الرؤيا التي تكون كذلك هي رؤيا المؤمن الصالح كما جاء في الروايات المقيدة. وينظر للأهمية بيان ذلك مفصلاً في الجواب المطول

الجواب

الحمد لله.

روى البخاري (6989) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.

ورواه مسلم (2263) من حديث أبي هريرة.

وجاء هذا مقيدا برؤيا المؤمن، كما روى البخاري (6987)، ومسلم (2264) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رُؤْيَا المُؤْمِنِ: جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.

ومقيدا برؤيا الصالح، كما روى البخاري (6983) عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ، مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.

فالرؤيا التي تكون من الوحي هي رؤيا المؤمن الصالح.

وأما الكافر فقد يرى رؤيا صادقة كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام، ورؤيا ملكهما، ولكنها لا تكون من الوحي.

قال القرطبي في "المفهم" (18/118):" القدر الذي اختلف الرواة فيه من هذا الحديث أمران : أحدهما: من أضيفت الرؤيا إليه، فتارة سكت عنه، وأخرى قيل فيه: المسلم، وفي أخرى: المؤمن، وفي أخرى: الصالح .

وهذا الأمر: الخلاف فيه أهون من الخلاف في الأمر الثاني، وذلك: أنه حيث سكت عنه لم يضر السكوت عنه، مع العلم بأن الرؤيا مضافة إلى راءٍ ما، فإذا صرح به في موضع آخر فهو المعنيّ، وأما حيث نطق به، فالمراد به واحد وإن اختلفت الألفاظ.

وذلك أن الرؤيا لا تكون من أجزاء النبوة إلا إذا وقعت من مسلم صادق صالح، وهو الذي يناسب حاله حال النبي صلى الله عليه وسلم، فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء عليهم السلام، وهو الاطلاع على شيء من علم الغيب، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصادقة في النوم يراها الرجل الصالح، أو ترى له)، فإنَّ الكافر، والكاذب، والمخلِّط وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات، لا تكون من الوحي، ولا من النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب، يكون خبره ذلك نبوة. وقد قدَّمنا : أن الكاهن يخبر بكلمة الحق، وكذلك المنجم قد يحدِس فيصدق، لكن على الندور والقلَّة . وكذلك: الكافر، والفاسق، والكاذب. وقد يرى المنام الحق، ويكون ذلك المنام سببًا في شرٍّ يلحقه، أو أمرٍ يناله. إلى غير ذلك من الوجوه المعتبرة المقصودة به.

وقد وقعت لبعض الكفار منامات صحيحة صادقة؛ كمنام الملك الذي رأى سبع بقرات، ومنام الفتيين في السجن، ومنام عاتكة عمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كافرة ، ونحوه كثير، لكن ذلك قليل بالنسبة إلى مناماتهم المخلطة والفاسدة" انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " قوله (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح): هذا يقيد ما أطلق في غير هذه الرواية، كقوله (رؤيا المؤمن جزء) ولم يقيدها بكونها حسنة، ولا بأن رائيها صالح. ووقع في حديث أبي سعيد (الرؤيا الصالحة) وهو تفسير المراد بالحسنة هنا.

قال المهلب: المراد غالب رؤيا الصالحين، وإلا فالصالح قد يرى الأضغاث، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منهم، بخلاف عكسهم؛ فإن الصدق فيها نادر، لغلبة تسلط الشيطان عليهم.

قال: فالناس على هذا ثلاث درجات:

الأنبياء، ورؤياهم كلها صدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير.

والصالحون، والأغلب على رؤياهم الصدق، وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير.

ومن عداهم؛ يقع في رؤياهم الصدق والأضغاث. وهم على ثلاثة أقسام: مستورون، فالغالب استواء الحال في حقهم. وفسقة، والغالب على رؤياهم الأضغاث، ويقل فيها الصدق. وكفار ويندر في رؤياهم الصدق جدا.

ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثا) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، وستأتي الإشارة إليه في باب القيد في المنام إن شاء الله تعالى.

وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار، كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام، ورؤيا ملكهما وغير ذلك. وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: رؤيا المؤمن الصالح هي التي تنسب إلى أجزاء النبوة، ومعنى صلاحها: استقامتها وانتظامها، قال: وعندي أن رؤيا الفاسق لا تعد في أجزاء النبوة، وقيل : تعد من أقصى الأجزاء، وأما رؤيا الكافر فلا تعد أصلا" انتهى من "فتح الباري" (12/362).

وقال العراقي في "طرح التثريب" (8/207): " ولا يمكن القول بأن رؤيا الكافر من أجزاء النبوة. وقال أبو بكر بن العربي: الراءون على ثلاثة أقسام: صالح من المؤمنين، وفاسق منهم، وكافر من غيرهم، فأما رؤيا الصالح فهي التي تنسب إلى النبوة ومبادئها، لأن الصلاح جزء منها، وأما رؤيا الفاسق فقال بعضهم إنها مرادة بقوله: الرؤيا الصالحة جزء من سبعين، فإن كانت من مؤمن فهي من خمسة وأربعين، ومعنى صلاحها استقامتها وانتظامها. والذي عندي أن رؤيا الفاسق لا تعد في النبوة.

وأما الرؤيا من الكافر فقد وردت في القرآن، وقد كان كفار العرب والأمم ترى الرؤيا الصحيحة، ولا تعد أيضا في النبوة؛ ولكنها تدخل في باب النذارة" انتهى.

والحاصل:

أن الكافر وإن صدقت رؤيته فإنها لا تكون جزءا من النبوة أو الوحي؛ لأن الرؤيا التي تكون كذلك هي رؤيا المؤمن الصالح كما جاء في الروايات المقيدة.

والله أعلم.

الرؤى والأحلام
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب