الرد على شبهة: أن التفريق بين المرأة التي أسلمت ولم يسلم زوجها ينفر الناس من الإسلام!

09-01-2023

السؤال 360583

إذا أسلمت الزوجة غير المسلمة ولم يُسلِم زوجها، فبحسب الإسلام لا يمكنهم الاستمرار في الحفاظ على عقد الزواج، ألا تعتقد أنّ هذا المَطلَب سيمنع الناس من أن يصبحوا مسلمين، خاصّة في البلدان التي يحظر فيها الدين، إنّهم ملحدون، ليس لديهم فهم عميق للإسلام، ولا يمكنهم فهم الإسلام بسبب القيود الدينية، يمكن للبعض منهم أن يوافق على أن يصبح مسلما، لكن عندما يرى المتطلبات المذكورة أعلاه، فإنه يعتقد أنّ هذا شيء مجنون، لا يوجد شيخ يلهمهم ويوجّههم من خلال تعليم الإسلام للحفاظ على الإيمان الراسخ كما في المجتمعات الإسلامية، حتى إننا وُلِدنا في أسرة مسلمة، وعرفنا الإسلام منذ ولادتنا، وما زلنا غير جيّدين وأقوياء في الدين، بالتالي كيف يكونون في مثل هذا المجتمع، أرى أجوبة على بعض الأسئلة أنّ زواجهما سوف يعتبر غير شرعي وزنا، ألا تعتقد أنّ الله يمكن أن يغفر الزنا، لكن ليس غير المسلمين، ألا تعتقد أنه من الأفضل أن تكون مسلمًا، وتحافظ على نفس حدود الزواج من عدم قبول الإسلام، ألا تعتقدون أنهم إذا لم يقبلوا الإسلام سوف يبقون في جهنّم إلى الأبد، لكن الزنا إذا بقيت في نفس الزواج لن يسبّب لها البقاء في الجحيم إلى الأبد؟ هل هذا يعني أنك إذا كنت لا توافق على هذا المَطلَب، فأنت لست بحاجة إلى أن تكون مسلمًا؟ إنهم لا يعرفون الشيطان، لذا أنا بحاجة إلى إجابة منطقية.

الجواب

الحمد لله.

أولا:

إذا أسلمت الزوجة الكافرة قبل زوجها، فإن كان ذلك قبل الدخول: وقعت الفرقة في الحال، فتَبين منه ولا تحل له حتى يسلم فيعقد عليها عقدا جديدا.

وإن كان ذلك بعد الدخول: فإنها تمتنع منه لكن الفرقة تتوقف على انقضاء العدة، فإذا انقضت العدة ولم يسلم: بانت منه، ولها أن تتزوج غيره.

فإن لم تتزوج، وأسلم الزوج بعد انقضاء العدة: فمن أهل العلم من يقول: يرجع إليها بلا عقد، ومنهم من يقول: لابد من عقد جديد.

قال المرداوي في "الإنصاف" (8/213): " واختار الشيخ تقي الدين - رحمه الله - فيما إذا أسلمت قبله: بقاء نكاحه، قبل الدخول وبعده، ما لم تنكح غيره.

والأمر إليها، ولا حكم له عليها. ولا حق لها عليه.

كذا لو أسلم قبلها، وليس له حبسها، وأنها متى أسلمت، ولو قبل الدخول وبعد العدة: فهي امرأته إن اختار. انتهى" انتهى.

وقال ابن القيم: " فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته، وإن انقضت عدتها: فلها أن تنكح من شاءت، وإن أحبت: انتظرته، فإن أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد النكاح" انتهى من "زاد المعاد" (5/125).

وقال الشيخ ابن عثيمين: " وهناك قول ثالث، عكس هذا الأخير: أنه لا ينفسخ النكاح إذا شاءت المرأة، أي: إذا أسلمت المرأة بعد الدخول، وانقضت العدة؛ لا نقول: انفسخ النكاح، فقبل انقضاء العدة لا يمكن أن تتزوج؛ لأنها في عدة الغير فنحبسها عن الزواج، وبعد انقضاء العدة نقول لها: إن شئت تزوجي، وإن شئت انتظري حتى يسلم زوجك، فلعله يسلم، فترجعين إليه.

وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ـ رحمهما الله ـ، وحسنه الشوكاني ـ رحمه الله ـ في نيل الأوطار، بل إن شيخ الإسلام لا يفرق بين ما قبل الدخول وبعده؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ما دام أنه معقود على وجه صحيح، وسبب الصحة باقٍ، ولم يحفظ عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه فرق بين الرجل وامرأته إذا سبقها بالإسلام، أو سبقته به.

وقال أيضاً: لدينا دليل على ثبوت ذلك، فهذا أبو العاص بن الربيع ـ رضي الله عنه ـ زوج زينب بنت الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أسلم متأخراً عن إسلامها؛ لأنها أسلمت في أول البعثة، وما أسلم هو إلا بعد الحديبية، حين أنزل الله تعالى: فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10]، فبين إسلامه وإسلامها نحو ثماني عشرة سنة، وردها النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنكاح الأول، ولم يجدد نكاحاً، وهذا دليل واضح جداً، وكذلك صفوان بن أمية ـ رضي الله عنه ـ أسلمت زوجته قبل أن يسلم بشهر؛ لأنها أسلمت عام الفتح، وهو ما أسلم إلا بعد غزوة الطائف، وأقره النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ على نكاحه.

ويقول شيخ الإسلام: القياس إما أن ينفسخ النكاح بمجرد اختلاف الدين، كما قاله ابن حزم؛ لأنه وجد سبب الفرقة إذا قلنا: إن الإسلام سبب للفرقة، وإما أن يبقى الأمر على ظاهر ما جاء في السنة، وهو أنه لا انفساخ، لكن ما دامت في العدة، فهي ممنوعة من أن تتزوج من أجل بقاء حق الزوج الأول، وبعد انقضاء العدة إذا شاءت أن تتزوج تزوجت، وإن شاءت أن تنتظر لعل زوجها يسلم فلا حرج.

وهذا الذي قاله هو الذي تشهد له الأدلة، ولأنه القياس حقيقة" انتهى من "الشرح الممتع" (12/ 246).

فقول شيخ الإسلام، رحمه الله، يجمع بين مصلحتين: الأولى: حق المرأة أن تتزوج من مسلم بعد انقضاء العدة. والثاني: أنها إذا لم تتزوج وأسلم زوجها فلها أن تنتظره، وفي هذا ترغيب له في الإسلام، ومحافظة على النكاح الذي بينهما.

وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تمكنه من نفسها بمجرد إسلامها، بل تحتجب منه ولا تكشف عليه.

ثانيا:

ما ذكرناه لم يمنع الناس من الدخول في الإسلام عبر القرون بحمد لله، وقد كان هذا مطبقا معلوما كثيرا؛ بخلاف اليوم، فإنه قليل.

وإذا أسلمت المرأة، فهذا يعني وصول الإسلام والبلاغ إلى البيت، فما عذر الرجل؟!

وإذا كان محبا لامرأته، فما يمنعه أن يدخل معها في الإسلام؟

بل هذا التفريق بينهما أقرب إلى أن يكون من أسباب دخول كثير من الأزواج في الإسلام، وترغيبهم فيه؛ فإنه إن رأى أن زوجته ستذهب عنه، وبيته سينهار، سارع فتدبر في أمره، ونظر في هذا الدين الذي فرق بينه وبين أهله، فقاده ذلك إلى اعتناق الإسلام.

وإذا أبى الإسلام؛ فأي مصلحة في إجبارها على أن تبقى بلا زوج، أو أن تكون فراشا لكافر؟ وهو ما يأباه الإسلام غاية الإباء. قال تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ  الممتحنة/ 10.

وأي مصلحة في جعلها زانية، لنحافظ على مشاعر الآخرين، خوفا من أن يتركوا الإسلام أو ألا يدخلوا الإسلام؟!

وهذا مضمون سؤالك، أن يسكت العلماء ولا يبينوا وجوب التفريق، فتبقى المرأة زانية، مراعاة لخاطر الكافر!

فإن كنت شاكا في حكم الله في هذه المسألة، فسبيلك أن تراجع القرآن والسنة وأن تتعلم، فإن هذا أمر مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة.

وإن كنت تعلم حكم الله، ولكن تدعو إلى إخفائه، وترضى بالزنا مراعاة لمصلحة الناس، فبئس ما رأيت، ولست أنت أعلم بمصلحة الناس من خالقهم.

 الله الذي شرع هذه الأحكام هو الخالق.

هو الخالق الذي يعلم ما خلق، ويعلم ما يصلح عباده ويناسبهم، فلا تتصور أنك أرحم بالناس من خالقهم أو أعلم بما يصلحهم من خالقهم.

أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ  الملك/14

ولما بين الله تحريم رجوع المسلمة للكافر قال: ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ الممتحنة/ 10.

فهذا حكم العليم الحكيم. ودل على أن ما سوى ذلك هو الجهل والسفه المنافي للحكمة.

فدع عنك الشكوك، والشبهات، وكلام الملاحدة، وأقبل على ما ينفعك. فالناس لم يتركوا الدين لأجل هذا الحكم، بل كان سببا في إسلام كثير من الأزواج، والحمد لله.

ثالثا:

إذا رضيت المسلمة بمعاشرة زوجها الكافر، فهي زانية، فإن استحلت ذلك فهي كافرة، وإن لم تستحله وبقيت تعتقد الحرمة كلما غشيها؛ فلا أتعس منها، وما الذي يجبرها على ذلك؟!

رابعا:

هذا الدين محفوظ لا مجال لتغيير أحكامه، ولو أن الناس كلما ظنوا مصلحة في خلافه غيروا أحكامه، لضاع الدين كما ضاعت الأديان المحرفة كاليهودية والنصرانية.

فلا نملك نحن، ولا أحد في هذا العالم أن يقول: إن المسلمة يجوز أن تمكن زوجها الكافر منها، ومن قال ذلك فقد أباح الزنا، علم ذلك أو لم يعلم، أقر بذلك أو كابر!!

ومن أقر الزنا، واستحله، أو شرعه وقننه: فقد كفر وارتد عن الإسلام، من غير شك.

وإن قال: يحرم أن تمكنه، ويجب أن يفرق بينهما، فهذا ما نقوله، وما يجب أن يقال، فإن خالفت المرأة، فهي إما زانية، أو كافرة إن استحلت.

لكن، وبكل حال: يجب أن يشاع هذا الحكم، وأن يرفع المؤمن به رأسه، فإنه من عزة هذا الدين ألا يسمح ببقاء مسلمة تحت كافر، ولو كان كتابيا.

والله أعلم.

مبطلات النكاح
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب