خبران عن عمر وعائشة رضي الله عنها، هل يدلان على نجاسة الخمر؟

15-03-2021

السؤال 343636

آمل التوضيح لسؤالي المتعلق بطهارة الكحول، فقد نظرت في أقوال العلماء فاقتنعت أنه طاهر، إلى أن قرأت في أحد المواقع الموثوقة حديثين على ما تبين لي منهما أن النجاسة حسية وليست معنوية، فآمل توضيح الحديثين على القول الراجح لديكم، هل هما محمولان على النجاسة الحسية أم المعنوية؟ والحديثان هما: فقد جرت مع السيدة عائشة رضي الله عنها حينما جاءتها مجموعة من النسوة من حمص للزيارة وقالت امرأة منهن: لي بنات أمشطهن بهذا الشراب، فقالت عائشة: بأي الشراب؟ قالت: الخمر، فقالت لها: أفكنت طيبة النفس أن تمشطي بدم خنزير؟! قالت: لا، فقالت لها السيدة عائشة رضي الله عنها: فإنه مثله. والثاني: عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن خالد بن الوليد دخل الحمام فتدلك بمادة معجونة بخمر، فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر، وإن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه كما حرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر إلا أن تُغسل كما حرم شربها، فلا تمسوها أجسادكم فإنها نجس، وإن فعلتم فلا تعودوا. وأريد أن أعرف مع أي الفريقين أنتم.

ملخص الجواب:

1. جماهير أهل العلم على أن الخمر نجسة نجاسة حسية، وذهب بعض أهل العلم إلى أن نجاسة الخمر نجاسة معنوية وليست حسية. 2. خبر عمر رضي الله عنه عن نجاسة الخمر لم يثبت بسند يحتج بمثله في الأحكام. 3. أما خبر عائشة رضي الله عنها وإن نص جماعة من أهل العلم على صحته؛ إلا أنه ليس صريحا في الدلالة على نجاسة الخمر، بل يناقش الاستدلال به بأن المراد منه: التشديد في أمر مقاربة الخمر، وجوب اجتنابه. 

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الخلاف في نجاسة الخمر

سبق في عدة أجوبة، بيان اختلاف العلماء في نجاسة الخمر على قولين: فجماهير أهل العلم على أنها نجسة نجاسة حسية، وهو معتمد المذاهب الأربعة. وذهب بعض أهل العلم إلى أن نجاسة الخمر نجاسة معنوية وليست حسية. 

وينظر جواب السؤالين:

كيفية تطهير الإناء إذا وقعت عليه قطرات من الخمر

حكم المواد الغذائية ومواد التجميل المضاف إليها الكحول

وعلى كل حال ؛ فالأحوط للمسلم أن يتطهر إن أصابه شيء منها، لقوة الخلاف فيها، ويكفي أن القول بنجاستها هو ما عليه المذاهب الأربعة.

ثانيا:

التعليق على الخبر الوارد عن عمر وعائشة رضي الله عنهما 

وأما عن الأثرين المذكورين في السؤال:

فخبر عمر رضي الله عنه، فلم يثبت بسند يحتج بمثله في الأحكام.

فقد رواه الطبري في "التاريخ" (4 / 66)، قال: كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان وأبي حارثة، قالا: فما زال خالد على قنسرين حتى غزا غزوته التي أصاب فيها، وقسم فيها ما أصاب لنفسه.

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي المجالد مثله.

قالوا: "وبلغ عمر أن خالدا دخل الحمام فتدلك بعد النورة بثخين عصفر معجون بخمر، فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر، وإن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه، كما حرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر إلا أن تغسل كما حرم شربها، فلا تمسوها أجسادكم فإنها نجس، وإن فعلتم فلا تعودوا.

فكتب إليه خالد: إنا قتلناها فعادت غسولا غير خمر، فكتب إليه عمر: إني أظن آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء، فلا أماتكم الله عليه! فانتهى إليه ذلك".

ومن نفس هذا الطريق رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (16 / 264 – 265).

وهذا إسناد لا يعتمد في باب الأحكام؛ ويكفي لبيان ضعفه أن مداره على سيف وهو ابن عمر التميمي، وهو ضعيف جدًا.

قال الذهبي رحمه الله تعالى:

"سيف بن عمر التميمي الأسيدي الكوفي، صاحب التواليف، ضعفه ابن معين وغيره." انتهى من "الكاشف" (1 / 476).

وقال في "المغني" (1 / 292):

"سيف بن عمر التميمي الأسدي، له تواليف متروك باتفاق، وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة. قلت: أدرك التابعين، وقد اتهم، قال ابن حبان: يروي الموضوعات" انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

"سيف بن عمر التميمي، صاحب كتاب "الردة"... الكوفي، ضعيف في الحديث، عمدة في التاريخ." انتهى من"تقريب التهذيب" (ص 262).

وأما خبر عائشة رضي الله عنها، فقد رواه الحاكم في "المستدرك" (4 / 289)، قال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، حدثَنَا جَدِّي، حدثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حدثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي أُسَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ، أَنَّهُ سَمِعَ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ، تَقُولُ: "دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مِمَّنْ أَنْتُنَّ؟ فَقُلْنَ: مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ. فَقَالَتْ: صَوَاحِبُ الْحَمَّامَاتِ. فَقُلْنَ: نَعَمْ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  الْحَمَّامُ حَرَامٌ عَلَى نِسَاءِ أُمَّتِي  .

فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: فَلِي بَنَاتٌ أُمَشِّطُهُنَّ بِهَذَا الشَّرَابِ. قَالَتْ: بِأَيِّ الشَّرَابِ؟ فَقَالَتِ: الْخَمْرُ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَفَكُنْتِ طَيِّبَةَ النَّفْسِ أَنْ تَمْتَشِطِي بِدَمِ خِنْزِيرٍ؟ قَالَتْ: لَا. قَالَتْ: فَإِنَّهُ مِثْلُهُ." وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.

وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

"... وجملة القول؛ أننا بهذا التحقيق نخلص إلى أن إسناد الحديث قوي، وأن من صححه من الحفاظ المتقدمين ما أبعد النُّجعة..." انتهى من"السلسلة الصحيحة" (7 / 1296).

فهذا الخبر وإن نص جماعة من أهل العلم على صحته؛ إلا أنه ليس صريحا في الدلالة على نجاسة الخمر، بل يناقش الاستدلال به بأن المراد منه: التشديد في أمر مقاربة الخمر، وجوب اجتنابه، كما نصت الآية.

قال الله تعالى:  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  المائدة/90.

وإنما أحالت عائشة رضي الله عنها المرأة على استخباث الخنزير، لأن نفوس المسلمين متفقة على استخباث لحمه وشحمه، فيجتنبونه ولا يقتربون منه، أما الخمر فربما تساهل بعض المسلمين في أمرها، فلم يجتنبوها.

وهذا الخبر شبيه بالحديث النبوي، الذي رواه الإمام مسلم (2260) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ، فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ  .

والنرد ضرب من الميسر الذي أمرنا باجتنابه كما سبق في الآية، ولا تتنجس اليد بمجرد لمسه كما هو معلوم.

والله أعلم

الطهارة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب