كيف يغسل ويصلى على من مات بمرض معد مثل وباء كورونا ؟

12-04-2020

السؤال 334084

افتونا جزاكم الله خيرا في كيفيه تغسيل وتكفين من مات بالمرض المعدي كورونا وهل تشرع أو تصح صلاه الغائب في حقه بدلا من صلاة الجنازة عليه خوفا من تفشي العدوى أم لا، خاصة أنه مع انتشار الخوف من العدوى جاءت نداءات كثيرة ممن يدعو إلى ترك الصلاة عليه وآخرون يقولون لا تترك الصلاة عليه وإنما نصلي عليه صلاة الغائب... أفتونا مأجورين في هذا الأمر، فنحن أحوج ما نكون لنعلم الصحيح فيه خاصة بعد عموم البلوى به في بلاد المسلمين.. عافانا الله واياكم و المسلمين ورفع الغمه عن الأمه يا رب العالمين

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ينبغي الرجوع إلى الأطباء لمعرفة هل ينتقل مرض كورونا بعد الموت أم لا، فإن فُرِض أنه ينتقل، وأمكن التحرز من ذلك بلبس القفازات، والكمامات، وقال الأطباء: إنه لا خوف على المغسل من ذلك، وجب تغسيله عملا بالأصل وهو وجوب تغسيل الموتى.

وإن كان هناك خوف على المغسل، أو لم يجد ما يتحرز به، سقط وجوب الغسل ، فلا يغسل الميت ولا إثم في ذلك ، ثم اختلف العلماء بعد هل ييمم أم لا ؟

فذهب كثير من العلماء إلى أنه ييمم، لأن التيمم بديل عن طهارة الغسل .

وقد نص الفقهاء على أنه إذا خيف على "غاسل الميت" أن يصاب بأذى من جراء الغسل، سقط وجوب غَسله .

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: "(وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ) لِفَقْدِ مَاءٍ أَوْ لِنَحْوِ حَرْقٍ أَوْ لَدْغٍ وَلَوْ غُسِّلَ تَهَرَّى أَوْ خِيفَ عَلَى الْغَاسِلِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَفُّظُ (يُمِّمَ) وُجُوبًا " انتهى من "تحفة المحتاج" (3/184) ، وينظر : "المجموع" (5/178) .

قال البهوتي رحمه الله: " (وإن تعذر غسل بعضه) غسل ما أمكن منه، و (يمم له) أي: لما تعذر غسله كالجنابة.

(وإن أمكن صب الماء عليه بلا عرك [أي : تدليك] صب عليه) الماء بحيث يعم بدنه (وترك عركه) لتعذره وتقدم أنه لا يجب الفعل وإن لم يكن عذر" انتهى من كشاف القناع (2/ 102).

وقال ابن أبي موسى: المحترق، والمجذوم، والمبضع[أي المتقطع]، يصب الماء عليه صبا، ثم يكفن" انتهى من المبدع (2/ 242).

وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي في شرح عمدة الفقه : "ومن بـه مرض معـدٍ يضر، هذا بالنسبة للضرر على الميت، وقد يضر بالحي المغسِّل ، كأن يكون به مرض معدٍ يعني بالاستقراء وشهادة أهل الخبرة أنه لو تولى أحد تغسيله يستضر فحينئذ يممّ ، يمم بالتراب على كفيه ، ثم يضرب الغاسل كفيه على الأرض أيضاً ، ثم يمسح وجهه ، فيمسح وجهه أولاً ، ثـم يضـرب ضربة ثانية إذا أراد ، أو الضربة الأولى فيمسح بها كفيه على ما ذكرنا في صفة التيمم الكاملة" انتهى. وذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أنه إذا تعذر الغسل لم ييمم الميت ، لأن المقصود من غسل الميت تنظيفه ، والتيمم لا يحصل به ذلك .

قال ابن مفلح في "الفروع" (3/293) فيمن تعذر غسله : "وعن الإمام أحمد  : لا ييمم ، لأن المقصود التنظيف" انتهى .

وقال في الشرح الكبير (6/112) :

"ويحتمل ألا ييمم ، ويصلى عليه حسب حاله ، ذكره ابن عقيل ، لأن المقصود بغسل الميت التنظيف ، ولا يحصل ذلك بالتيمم" انتهى .

وقد اختار الشيخ محمد بن عثيمين هذا القول ، فقال :

"قوله: ومن تعذر غسله يُمم، أي: من امتنع غسله، أي: تغسيله، فإنه ييمم.

... لأن تغسيل الميت طهارة مأمور بها، فإذا تعذر تطهيره بالماء عدلنا إلى بدله وهو التراب.

وقيل: بأنه لا ييمم إذا تعذر غسله؛ لأن هذه ليست طهارة حدث، وإنما هي طهارة تنظيف، ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم للنساء اللاتي يغسلن ابنته: اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، أو أكثر من ذلك وطهارة الحدث لا تزيد على ثلاث، فإذا كان المقصود تنظيف الميت وتعذر الماء، فإن استعمال التراب لا يزيده إلا تلويثاً، فتجنبه أولى.

وهذا هو الراجح. وهذا أقرب إلى الصواب من القول بتيميمه" انتهى من "الشرح الممتع" (5/297).

ثانيا:

إذا تعذر الغسل والتيمم ونزع الثياب، فإنه يصلى عليه على حاله، كما هو مذهب الحنابلة وجماعة.

جاء في الموسوعة الفقهية (2/ 119): " الصلاة على المحترق المترمد: ذهب ابن حبيب من المالكية والحنابلة وبعض المتأخرين من الشافعية إلى أنه يصلى عليه مع تعذر الغسل والتيمم؛ لأنه لا وجه لترك الصلاة عليه؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، لما صح من قوله عليه الصلاة والسلام: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، ولأن المقصود من هذه الصلاة الدعاء والشفاعة للميت.

أما عند الحنفية وجمهور الشافعية والمالكية فلا يصلى عليه؛ لأن بعضهم يشترط لصحة الصلاة على الجنازة تقدم غسل الميت، وبعضهم يشترط حضوره أو أكثره، فلما تعذر غسله وتيممه لم يصل عليه لفوات الشرط" انتهى.

وقال الخطيب الشربيني رحمه الله :" (فَلَوْ مَاتَ بِهَدْمٍ وَنَحْوِهِ) كَأَنْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ بَحْرٍ عَمِيقٍ (وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغُسْلُهُ) وَتَيَمُّمُهُ : (لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ.... وَجَزَمَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ : صُلِّيَ عَلَيْهِ ، قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ مَنْ أُحْرِقَ فَصَارَ رَمَادًا ، أَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ : لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ بِذَلِكَ ، وَبَسَطَ الْأَذْرَعِيُّ الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ ." انتهى من "مغني المحتاج" (2/ 49) .

والقول بالصلاة عليه ولو لم يغسل أو ييمم هو الأظهر.

وانظر للأهمية جواب السؤال رقم (209408).

ثالثا :

إذا كان وضع الميت في كيس من البلاستيك – بعد التكفين- أسلم للأحياء ، وأبعد عن انتقال المرض إليهم ، فلا بأس بذلك .

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

يجعل بعض المغسلين على الميت في حوادث السيارات كيسا من البلاستيك حتى لا يخرج الدم على الأكفان ؟

فأجاب : "لا بأس أن يجعل على الجرح ما يمسكه" انتهى من مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز " (13/128) .

والله أعلم.

الجنائز وأحكام المقابر
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب