هل يجيب جميع المؤذنين الذين يسمعهم؟

21-03-2024

السؤال 326370

أريد أن أسأل بشان الترديد وراء المؤذن، هل يكفي الترديد مرة واحدة؟ أم يجب الترديد وراء كل أذان؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع الأذان أن نقول مثل ما يقول، ثم نسأل الله تعالى له  الوسيلة ، صلى الله عليه وسلم.

وقد رتب على هذا الذكر من الثواب شمول شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لقائله.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ) رواه مسلم (384).

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ ) رواه البخاري (614).

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي ).

قيل: معناه نالته وحصلت له ووجبت.

وليس المراد بهذه الشفاعة، الشفاعة في فصل القضاء؛ فان تلك عامة لكل أحد، ولا الشفاعة في الخروج من النار ولا بد؛ فإنه قد يقول ذلك من لا يدخل النار.

وإنما المراد - ولله أعلم -: أنه يصير في عناية رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحيث تتحتم له شفاعته؛ فإن كان ممن يدخل النار بذنوبه، شفع له في إخراجه منها، أو في منعه من دخولها. وإن لم يكن من أهل النار، فيشفع له في دخوله الجنة بغير حساب، أو في رفع درجته في الجنة " انتهى من "فتح الباري" (5/275).

ثانيا:

علق الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بمتابعة المؤذن على سماعه .

والأصل أنه كلما تحققت هذه العلة -سماع الأذان- يكون المسلم مخاطبا بقول هذا الذكر.

وتكرر هذه العلة -سماع الأذان- على ضربين:

الضرب الأول:

تكرر بسبب تجدد أوقات الصلاة؛ فالشرع من مقاصده أن يسمع المسلم الأذان مرة في كل وقت صلاة؛ ومن المشروع أيضا أن يسمعه مرتين في الصبح وفي الجمعة.

فلا شك أن هذا التكرر يتبعه الأمر بتكرير ما رتب عليه من السنن والأذكار؛ فمن قصر في هذا التكرار يكون قد قصر في تحقيق الثواب الذي رغب فيه الحديث.

قال ابن اللحام البعلي رحمه الله تعالى:

" وأما الشارع: فإنه حكيم لا يجوز عليه التناقض، فإذا شرع حكما وعلَّلَه بعلة: علمنا أنه شرع ذلك الحكم كلما وجدت فيه تلك العلة. والله أعلم " انتهى من "القواعد والفوائد الأصولية" (ص 240).

الضرب الثاني:

تكرر غير مقصود للشارع وغير منهي عنه؛ وهو تكرّر سماع المسلم للأذان في وقت الصلاة الواحدة مرات عدة لتقارب المساجد مثلا؛ أو لقوة مكبرات الصوت في المساجد البعيدة.

فتكرر العلة -سماع المؤذن- على هذا الوجه مختلف في تكرر الحكم المترتب عليه -الإجابة والذكر-.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

"  قول المؤلف: " وقولهم: إنّ الحكم يتكرر بتكرر العلة، فكذا الشرط.

قلنا: العلة تقتضي حكمها فيوجد بوجودها والشرط لا يقتضي ... " الخ.

معناه أنه قائل بأن الحكم يتكرر بتكرر علته...

والظاهر أن ذلك لا يصح على الإطلاق؛ لأن تكرر العلة قد يتكرر معه الأمر وقد لا يتكرر، إما إجماعا وإما على قول.

فمثال ما لا يتكرر فيه الأمر بتكرر علته قولا واحدا: من بال مرات متعددة، أو جامع كذلك، فعلة وجوب الوضوء والغسل متكررة، والأمر بهما غير متكرر، بل يكفي فيهما واحد...

ومثال ما اختلف فيه: ... تعدد غسل الإناء بتعدد ولوغ كلب أو كلاب، وتعدد الحمد بتعدد العطاس، وحكاية أذان المؤذنين، إلى غير ذلك " انتهى من "مذكرة أصول الفقه" (ص 305 – 306).

والأصل في الأمر عدم التكرار؛ فلذا يرجى لمن اكتفى بإجابة مؤذن واحد أن يدرك الثواب الموعود به.

لكن في الوقت ذاته يشرع تكراره؛ لأنه لم يرد في الشرع النهي عنه، فيستمر أصل مشروعية إجابة الأذان الثاني وما بعده.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" إذا سمع مؤذنا بعد مؤذن هل يختص استحباب المتابعة بالأول؟ أم يستحب متابعة كل مؤذن؟ فيه خلاف للسلف، حكاه القاضي عياض في "شرح صحيح مسلم"، ولم أر فيه شيئا لأصحابنا.

والمسألة محتملة.

والمختار أن يقال: المتابعة سنة متأكدة، يكره تركها، لتصريح الأحاديث الصحيحة بالأمر بها، وهذا يختص بالأول؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار.

وأما أصل الفضيلة والثواب في المتابعة فلا يختص، والله أعلم " انتهى من "المجموع" (3/ 119).

ويعلم مما ذكره الإمام النووي: أن إجابة المؤذن، بترديد الأذان خلفه، على الصفة الواردة في السنة: مستحبة، وليست واجبة، كما جاء في السؤال.

ينظر: "الموسوعة الفقهية الكويتية" (2/372).

وينظر أيضا ما سبق في جواب السؤال رقم: (279260).

والله أعلم.

الأذان
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب