حكم رواية الراوي الذي قيل فيه : " ثقة إذا حدث من كتابه ، ويخطئ إذا حدث من حفظه" ".

03-08-2019

السؤال 310915

في علم الحديث: إذا كان هناك راوٍ ، قال العلماء فيه: ثقة إذا حدث من كتابه، ويخطئ إذا حدث من حفظه، فكيف نعرف في الحديث المعين هل حدث به من حفظه أو من كتابه؟ وهل يجب التوقف حتى نتأكد أنه من كتابه؟

الجواب

الحمد لله.

الراوي إذا قيل فيه ذلك، فإنه في الغالب يُعرف من أخذ عنه من كتابه ، ومن أخذ عنه من حفظه بعدة أمور :

الأول : أن ينصّ الراوي عنه أنه أخذه من كتابه .

مثاله :

أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري .

وهو من الثقات ، إلا أن أبا حاتم قال فيه كما في "الجرح والتعديل" (9/41) :" كتبه صحيحة ، وإذا حدث من حفظه ، غلط  كثيرا ، وهو صدوق ثقة ". انتهى

ولذا روى البخاري في "صحيحه" 333) ، فقال :" حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ اسْمُهُ الوَضَّاحُ ، مِنْ كِتَابِهِ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ .... ثم ساق الحديث ". انتهى

عبد الرزاق بن همام الصنعاني .

فقد أخرج مسلم في "صحيحه" (15) ، فقال :" حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ كِتَابِهِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ....ثم ساق الحديث ".

وأخرج أبو داود في "سننه" (3268 ) ، فقال :" حدَّثنا محمدُ بن يحيى بن فارسٍ ، قال حدَّثنا عبدُ الرزاقِ، - قال محمد ابن يحيى: كتبته من كتابه- أخبرنا معمرٌ ... ثم ساق الحديث ".

فهنا نصّ حجاج الشاعر ، ومحمد بن يحيى بن فارس: أنهما أخذا الحديث من كتاب عبد الرزاق ، وذلك لعلمهم أنه يهم إذا حدث من حفظه .

عبد الله بن نافع الصائغ .

قال فيه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (5/184) :" ليس بالحافظ ، هو لين تعرف حفظه وتنكر،  وكتابه أصح ". انتهى.

وقد روى أبو داود في "سننه" (2042) ، فقال حدَّثنا أحمدُ بنُ صالح ، قرأتُ على عبدِ الله بنِ نافع ، قال: أخبرني ابنُ أبي ذئبٍ ، عن سعيدٍ المقبري ، عن أبي هُريرة، قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم -:( لا تجعلوا بيوتَكُم قُبوراً ..) ثم ساق الحديث .

وهنا صرح أحمد بن صالح: أنه قرأ الحديث على عبد الله بن نافع أي أخذه من كتابه ، ولذا صحح الشيخ الألباني هذا الحديث في "السلسلة الصحيحة" (1780) ، وقال :" وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح " ؛ على ضعف في حفظ عبد الله بن نافع- وهو الصائغ- ؛ لكنه هنا قد حدث من كتابه ". انتهى.

الثاني : أن ينصّ علماء الحديث على أن هذا الراوي حدث في موضع، أو بلد ما، من كتابه ، وفي غيرها من حفظه ، أو العكس .

مثاله :

حفص بن غياث .

وهو من الثقات ، إلا أنه ساء حفظه بعدما ولي القضاء ، فمن أخذ عنه من كتابه: فحديثه صحيح .

قال أبو زرعة الرازي كما في "الجرح والتعديل" (3/186) :" حفص بن غياث: ساء حفظه بعد ما استُقضي ، فمن كتب عنه من كتابه : فهو صالح ، وإلا فهو كذا ".

وقد نصّ ابن معين على أن جميع ما حدث به حفص، في بغداد والكوفة : إنما هو من حفظه، كما في "تاريخ بغداد" (8/191).

مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن مُسلم، أَبُو أُميَّة السجسْتانِي .

ترجم له ابن حبان في "الثقات" (15624) ، فقال :" وَكَانَ من الثِّقَات ، دخل مصر فَحَدثهُمْ من حفظه، من غير كتاب، بأَشْيَاء أَخطَأ فِيهَا ، فَلَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ إِلَّا مَا حدث من كِتَابه ". انتهى.

فمثل هؤلاء: إذا كان الراوي عنهم من البلد التي حدث فيها من حفظه، كان حديثه حينئذ ضعيفا.

الثالث : أن ينصّ علماء الحديث، على أن هذا الراوي لم يأخذ عنه من كتابه ، إلا فلان وفلان مثلا ؛ فيقبل حديثه من طريقهم دون غيرهم .

مثاله :

شريك بن عبد الله النخعي .

قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (2/759) :" قال يعقوب بن شيبة وغيره: كتبه صحاح ، وحفظه فيه اضطرب ، وقال محمد بن عمار الموصلي الحافظ: شريك كتبه صحاح ، فمن سمع منه من كتبه، فهو صحيح .

قال: ولم يسمع من شريك من كتابه : إلا إسحاق الأزرق ". انتهى

الرابع : أن ينصّ علماء العلل على أن هذا الحديث، لهذا الراوي : ليس في كتابه .

مثاله :

عبد الرزاق بن همام الصنعاني:

قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (5/374) :" قال الأثرم: سَمِعْتُ أبا عَبْد الله يُسأل عَنْ حديث النار جبار . فقال: هذا باطل ، ليس من هذا شيء.

ثم قَالَ: وَمَن يُحَدِّث بِهِ عَنْ عبد الرّزّاق؟ قلت: حدّثني أحمد بْن شَبَّوَيْه .

قَالَ: هَؤُلّاءِ سمعوا بعدما عَمي. كَانَ يُلقَّن ، فلُقِّنَه ، وليس هُوَ في كُتُبه. وقد أسندوا عَنْهُ أحاديث ليست في كُتُبه ، كَانَ يُلَقَّنَها بعدما عَمِي ". انتهى.

فأعلّ الإمام أحمد الحديث ، لأنه ليس في كتاب عبد الرزاق ، وإنما حدث به من حفظه .

وقال ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (2/757) :" ومما أنكر على عبد الرزاق: حديثه عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعاً: " الخيل معقود في نواصيها الخير".

أنكره أحمد ومحمد بن يحيى ، وقال: لم يكن في أصل عبد الرزاق ". انتهى

وعلى كُل ؛ فيجب على الباحث المحقق إذا وجد راويا قال فيه أهل العلم :" ثقة إذا حدث من كتابه ، يخطئ إذا حدث من حفظه " = أن يتوسع في ترجمته ، حتى يقف على الرواة الذين أخذوا عنه من كتابه .

فإن وُجد حديث من طريق راو من هؤلاء ، ولا يُعرف هل أُخذ عنه من كتابه أم من حفظه ، فيجب التوقف ، فإن تُوبع ، دل على أنه حدث به من كتابه ، وإن تفرد ، فيتوقف في قبول حديثه ذاك .

قال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1/316) :" ثم إن الراوي عنه ، زهير بن محمد ، وإن كان من رجال " الصحيحين " ؛ ففي حفظه كلام كثير ، ضعفه من أجله جماعة . وقد عرفت آنفا قول البزار فيه : أنه لم يكن بالحافظ ، وقال أبو حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 590) : محله الصدق ، وفي حفظه سوء ، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق ، لسوء حفظه ؛ فما حدث من كتبه فهو صالح ، وما حدث من حفظه ففيه أغاليط .

قلت ( أي الشيخ الألباني ): ومن أين لنا أن نعلم إذا كان حدث بهذا الحديث من كتابه ، أو من حفظه؟ !

ففي هذه الحالة : يتوقف عن قبول حديثه ". انتهى.

وختاما : نسأل الله لنا ولكم العلم النافع ، والعمل الصالح ، آمين .

مصطلح الحديث
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب