تاريخ الحج

26-02-2003

السؤال 30897

أريد منكم أن تخبروني عن تاريخ الحج ومشاعرها؟ مثالاً على ذلك أن المسلمون يسعون بين الصفا و المروة هي ما فعلته هاجر أما عن الباقي فلا أدري فأرجو إفادتي كرمي الجمار و الطواف و الوقوف بعرفة و شرب ماء زمزم و المبيت بمنى و مزدلفة و ذبح الهدي ...الخ. و لكم جزيل الشكر.

الجواب

الحمد لله.

فمن المجمع عليه بين أهل الإسلام قاطبة قديماً وحديثاً ، سلفاً وخلفا ، أن الحج إلى بيت الله الحرام أحد أركان الإسلام الخمس كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وغيره .

ومن المعروف أن الحج كسائر العبادات ، له أعمال خاصة به ، وكل عمل من هذه الأعمال له هيئة يجب أن تؤتى على وجهها الصحيح ، كالإحرام من الميقات ، والطواف ، والسعي بين الصفا والمروة ، والوقوف بعرفة ، والمبيت بمزدلفة ، ومن رمي الجمار والذبح ، إلى غير ذلك من أعمال الحج المعروفة ، فالواجب في هذه الأعمال أن تؤدى وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم , والأحاديث التي تبين صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا , وقد توسع الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" والحافظ ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" في جمع هذه الأحاديث , وبيان ما تدل عليه وتفيده من أحكام ، وعلى المسلم أن يهتم بمعرفة هذه الأحكام والعمل بها .

ثم ليعلم أن المقصود الأساسي من أعمال الحج إقامة ذكر الله تعالى , كما قال تعالى : ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ . ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ )... إلى أن قال تعالى : (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) البقرة / 198- 203 .

وجاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله عز وجل . علقه البيهقي (5/145) , وروي مرفوعا وفيه ضعف .

والمسلم إنما يعظم مشاعر الحج لأن الله عز وجل أمره بتعظيمها ، كما قال تعالى : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج / 32 ، وروى البخاري (1610) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر الأسود وقال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك .

يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى وهو في معرض كلامه عن أعمال الحج وشرحها وبسط الكلام عنها : « ثم زالت تلك الأشياء وبقيت آثارها وأحكامها وربما أشكلت هذه الأمور على من يرى صورها ولا يعرف أسبابها فيقول : هذا لا معنى له ، فقد بينت لك الأسباب من حيث النقل ، وها أنا أمهد لك من المعنى قاعدة تبنى عليها ما جاءك من هذا .

اعلم أن أصل العبادة معقول ، وهو ذل العبد لمولاه بطاعته ، فإن الصلاة فيها من التواضع والذل ما يفهم منه التعبد .

وفي الزكاة إرفاق ومواساة يفهم معناه .

وفي الصوم كسر شهوة النفس لتنقاد طائعة إلى مخدومها.

وفي تشريف البيت ونصبه مقصداً وجعل ما حوله حرماً تفخيماً له ، وإقبال الخلق شعثاً غبراً كإقبال العبد إلى مولاه ذليلاً معتذراً أمر مفهوم ، والنفس تأنس من التعبد بما تفهمه ، فيكون ميل الطبع إليه مُعيناً على فعله وباعثا ، فوظفت لها وظائف لا يفهمها ، ليتم انقيادها كالسعي والرمي ، فإنه لا حظ في ذلك للنفس ، ولا أُنس فيه للطبع ، ولا يهتدي العقل إلى معناه ، فلا يكون الباعث إلى امتثال الأمر فيه سوى مجرد الأمر والانقياد المحض ، وبهذا الإيضاح تعرف أسرار العبادات الغامضة » اهـ . انظر : مثير العزم الساكن ( 1/285-286 ) .

إذا تبين هذا فإن الكثير من تاريخ أعمال الحج قبل الرسول الله صلى الله عليه وسلم غير معلوم لنا , وهذه الأمور لا يضر الجهل بها , وهناك بعض الأمور وردت الإشارة إلى شيء من تاريخها في بعض النصوص ، ونذكر هنا شيئا من ذلك :

1- متى فرض الحج ؟ أو : متى كان بدء الحج ؟

يقول تعالى وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق الحج / 27 .

يقول ابن كثير في تفسيره ( 3/221 ) لهذه الآية أي نادِ ( يا إبراهيم ) في الناس بالحج ، داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه ، فذكر أنه قال : " يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم ؟ " فقال : " نادِ وعلينا البلاغ " فقام على مقامه ، وقيل على الحجر ، وقيل على الصفا ، وقيل على أبي قبيس ، وقال : " يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه " فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض ، وأسمع من في الأرحام والأصلاب ، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر ، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة ، ليبك اللهم لبيك ، هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ، ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف والله أعلم . أ.هـ.

ونقل ابن الجوزي في كتابه " مثير العزم الساكن ( 1/354 ) نحواً من ذلك مختصراً وعزاه إلى أهل السير .

هذا عن تاريخ فرض الحج قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، أما عن تاريخ فرض الحج في الإسلام فقد اختلف فيه ، فقيل : فرض سنة ست ، وقيل سنة سبع ، وقيل سنة تسع ، وقيل سنة عشر ، وجزم الإمام ابن القيم رحمه الله بأن فرضه كان في العام التاسع أو العاشر ، قال رحمه الله تعالى : في زاد المعاد : لا خلاف أنه لم يحج - أي النبي صلى الله عليه وسلم - بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة وهي حجة الوداع ، ولا خلاف أنها كانت سنة عشر ...ولما نزل فرض الحج بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج من غير تأخير ، فإن فرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر ... فإن قيل : فمن أين لكم تأخير نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة ؟ قيل : لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود ، وفيه قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصالحهم على أداء الجزية ، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع ، وفيها نزل صدر سورة آل عمران ... أ.هـ .

قال القرطبي في تفسيره ( 2/4/92 ) : وقد كان الحج معلوماً عند العرب مشهوراً لديهم ؛ فلما جاء الإسلام خوطبوا بما علموا وألزموا بما عرفوا . وانظر كذلك أحكام القرآن لابن العربي ( 1/286 ) . انظر السؤال رقم ( 32662 )

2- الطواف بالبيت :

قال تعالى : ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ ) البقرة / 125 , وهذه الآية تفيد أن الطواف بالبيت كان على عهد إبراهيم عليه السلام .

3- الرمل .

والرمل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى . وهو سنة للرجال دون النساء في طواف القدوم وهو أول طواف يطوفه إذا قدم مكة .

- كيف كان بدء الرمل ؟

أخرج البخاري في صحيحه ( 2/469-470 ) ( 1602 ) ومسلم ( 2/991-992 ) ( 1262 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال المشركون : إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حُمى يثرب . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة ... ) . وفي رواية زيادة : ( قال : ارملوا ليرى المشركون قوتكم ... ) .

4- ماء زمزم والسعي بين الصفا والمروة .

أخرج البخاري في صحيحه ( 6/396-397 ) ( 3364 ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء إبراهيم بهاجر وابنها إسماعيل - وهي ترضعه - حتى وضعها عند البيت ، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعها هنالك ، ووضع عندهما جراباً فيه تمرٌ ، وسقاءً فيه ماءً .

ثم قضى - أي رجع - إبراهيم منطلقا ، فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم ! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ، فقالت له ذلك مراراً ، وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذن لا يضيعنا . ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) إبراهيم / 37 .

وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، وتشرب من ذلك الماء ، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال : يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل من الأرض يليها ، فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً ، فلم تر أحداً فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود ؛ حتى جاوزت الوادي .

ثم أتت المروة ، فقامت عليها فنظرت هل ترى أحداً ، فلم تر أحداً ، ففعلت ذلك سبع مرات .

قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( فذلك سعى الناس بينهما ) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً فقالت : صه - تريد نفسها - ثم تسمعت أيضا فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه - أو قال : بجناحه - حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه وتقول بيديها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يرحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم - أو قال : لو لم تغرف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا . قال : فقال لها الملك ، لا تخافوا الضيعة ، فإن ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله ... ) الحديث .

قال ابن الجوزي في كتابه " مثير العزم الساكن " ( 2/47 ) : " وهذا الحديث قد بان فيه معنى تسميتها بزمزم ، فإن الماء لما فاض زمته هاجر ، قال ابن فارس اللغوي : زمزم من قولك زممت الناقة ، إذا جعلت لها زماماً تحبسها به ) اهـ.

5- الوقوف بعرفة :

روى أبو داود والترمذي (883) من حديث يزيد بن شيبان قال : كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف , فأتانا ابن مِربع الأنصاري , فقال : إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يقول لكم : " كونوا على مشاعركم , فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم " وصححه الألباني في "صحيح أبي داود " (1688) .

والكثير من أعمال الحج كان على عهد إبراهيم عليه السلام , ولكن المشركين ابتدعوا بعض الأمور التي لم تكن مشروعة , فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم , خالفهم في ذلك وبين المشروع من أعمال الحج .

فهذه نبذة يسيرة عن تاريخ الحج وتاريخ بعض مشاعره ، وللزيادة يمكنك الرجوع إلى كتاب الحافظ ابن الجوزي رحمه الله المسمى بـ " مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن " المجلد الأول منه كاملاً مع بداية المجلد الثاني .

وبإمكان السائل مراجعة السؤال رقم (3748) لمعرفة نبذة عن تاريخ المسجد الحرام .

والله اعلم .

مسائل متفرقة في الحج
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب