الجواب عن شبهة أن التعدد لا يجوز إلا لمن كان في حجره يتيمة يخاف أن يظلمها

27-02-2019

السؤال 297889

آمل إفادتي بشكل قاطع هل تفسيرى المتواضع جدا صحيح ؟ لأن هذا والله والله والله فتنة عظيمة للنساء فى دينهم الآن . "الشرع لم يحلل الزواج بأربعة إلا فى حالة واحدة فقط ، وهي الزواج باليتيمات اللاتي هن ربائب الرجال، أى مَن يقوم الرجال بتربيتهن ، ففى الآية: (وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) صدق الله العظيم ، ورغم هذا فإن الله سبحانه حسم الأمر وقال : ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم .. ) فالآية نزلت في "اليتامى" فى الجاهلية ؛ لأن أغلب الرجال كانوا يربون يتيمات ـ ربائبهم ـ وكانوا يتزوجهن مجانا ، ولا يعطوهن أي مهر ، وهذا ظلم ، ولصرف هولاء الرجال عن زواج من يريبهن من الربائب اليتيمات ، أباح الله تعالى لهم الزواج ب 2، 3، 4 من غير اليتيمات ، لكن الآن من يربي يتيمات ويريد أن يتزوج بهن ولا يقدم لهن مهرا ظلما لهن ؟ لا يوجد ، ومن ثم التعدد حاليا حرام ؛ لأن في الآية شرط للتعدد أن يكون في حالة زواج الرجل من اليتيمة التي يربيها في حجره كي لا تظلم اليتيمة ".

الجواب

الحمد لله.

أولا:

أباح الله للرجل أن يتزوج أربع نسوة، سواء كان عنده يتيمات أم لا، وهذا ما دل عليه القرآن والسنة وإجماع أهل العلم قاطبة، وجريان العمل به في أهل الإسلام، حتى يوم الناس هذا؛ ولا عبرة بخلاف ذلك لأنه ضلال بين.

قال الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا  النساء/3 .

وهذه الآية الكريمة فيها أن من كان تحته يتيمة فخاف إن تزوجها أن يظلمها، فإن الله أرشده إلى النكاح من غيرها، مثنى وثلاث ورباع.

وليس هذا خاصا به، وإنما هو أمر مقرر من قبل ، له ولغيره، فالمعنى : قد أبحنا لك أربعا من النسوة ، فلم الحرص على اليتيمة التي تخشى أن تظلمها وتهضم حقها ؟!

وليس في الآية تخصيص لصاحب اليتيمة بوجه من الوجوه.

ولو كان التعدد محرما، لقيل: إن خفت ألا تقسط في اليتيمة فتزوج غيرها.. وينتهي الأمر!

وأي حكمة في أن يخص صاحب اليتيمة بأربع، ويمنع غيره ؟!

وقد نكح الصحابة الذين نزل فيهم القرآن مثنى وثلاث ورباع، من غير أن يُفتّش في حال أحدهم هل عنده يتيمة في حجره أم لا!

وهذا أكثر من أن يحصر، فإن التعدد كان منتشرا في الصحابة رضي الله عنهم.

وقد أراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يتزوج على فاطمة رضي الله عنه، ولم تكن فاطمة يتيمة في حجره! وكانت زوجة له.

روى البخاري (3729) ، ومسلم : " أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، قَالَ: " إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ، فَاطِمَةُ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وَهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ، يَقُولُ:  أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا العَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ ، فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ ، عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ  فَتَرَكَ عَلِيٌّ الخِطْبَةَ " .

ورواه مسلم (2449) بلفظ : إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وَإِنِّي أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا  قَالَ ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ، قَالَ : حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَأَوْفَى لِي، وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللهِ مَكَانًا وَاحِدًا أَبَدًا  .

فتأملي قوله صلى الله عليه وسلم:  وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا  : وهذا نص في جواز التعدد وأنه لعلي رضي الله عنه أن يتزوج على فاطمة، لكن كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأجل معنى خاص، وهو الذي ذكره.

ثانيا:

قد دل القرآن على إباحة التعدد في غير هذه الآية.

قال الله تعالى:   وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا   النساء/129 .

ففيه دليل على أن الرجل قد يكون له أكثر من زوجة، فيؤمر بعدم الميل، ولم تخص الآية من كان في حجره يتيمة، بل الخطاب فيها عام للمؤمنين.

وأما العدل الذي لا يستطيعه الإنسان فهو في محبة القلب، وهذا لا يؤاخذ عليه ما دام مجتهدا في تحقيق العدل الظاهر في المبيت والعطايا ونحوها مما يجب فيه العدل.

وقد روى أبو داود (2134) عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ، وَيَقُولُ:  اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي، فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي، فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا أَمْلِكُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: يَعْنِي الْقَلْب".

ومحال أن يقول القرآن:  فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً  ؛ ثم ينفي استطاعة العدل مطلقا، فيكون التعدد محرما-حتى على القول بأن التعدد خاص بمن في حجره يتيمة- فهذا اتهام للقرآن بالتناقض.

وإنما العدل نوعان: ممكن مستطاع، وهو العدل في القسم.

وغير مستطاع، وهو العدل في المحبة القلبية، وهذا لا مؤاخذة فيه، إذا لم يمل الإنسان كل الميل فيجور في النوع الأول.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:  مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ رواه أبو داود (2133)، والنسائي (3881) وصححه الشيخ الألباني.

والمقصود: ميله في الظاهر، بإيثار إحدى الزوجتين في القسم أو في السفر أو في العطية.

ثالثا:

ينبغي أن يعلم أن هذه الشبهة إنما يثيرها منكرو السنة، الذين يزعمون الاكتفاء بالقرآن، أو الذين يقولون: إن السنة لا يؤخذ بها إذا أثبتت حكما ليس في القرآن، وهذا ضلال بين، فإن السنة تأتي شارحة ومبينة للقرآن، وتأتي منشئة حكما ليس في القرآن، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وتحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وتحريم نكاح المتعة، وتحريم لحوم الحمر الأهلية وغير ذلك.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الضلال فقال:  أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ  رواه الترمذي (2664) وقال: حسن غريب من هذا الوجه، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870).

والسنة والسيرة فيها من أدلة جواز التعدد ما لا يخفى.

فلو فرض أن القرآن لم يدل على التعدد، فإنه لم ينفه، ولم يقل إنه خاص بمن في حجره يتيمة، فإن السنة جاءت مبينة جواز ذلك. فكيف والقرآن نفسه يدل على جوازه، دون تخصيص أو حصر بأي وسيلة من وسائل التخصيص أو الحصر.

وقد روى أحمد (4631) ، والترمذي (1128) ، وابن ماجه (1953) عَنْ ابْنِ عُمَرَ : " أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَخَيَّرَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ ".

وهذا صريح في جواز أن يجمع الرجل بين أربع نسوة في وقت واحد ، وليس في الحديث ذكر اليتيمة!

رابعا:

وأما الإجماع، فقال ابن حزم رحمه الله: " وَاتَّفَقُوا على أَن نِكَاح أكثر من أَربع زَوْجَات لَا يحل لأحد بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم...

وَأَجْمعُوا ان عقد النِّكَاح لأَرْبَع ، فَأَقل ، كَمَا ذكرنَا ، فِي عقدَة وَاحِدَة : جَائِز ؛ إذا ذكر لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ صَدَاقهَا وَفِي عقود مُتَفَرِّقَة...

وَاتَّفَقُوا على ان من طلق نِسَاءَهُ ، فأكملن عدتهن ، أَو متن ، أَو طلق بَعضهنَّ ، فاعتدت أَو مَاتَت : فَلهُ أَن يتَزَوَّج تَمام أَربع فَأَقل ، إن أحب ، كَمَا ذكرنَا" انتهى من "مراتب الإجماع" (ص63)

ونقل ابن القطان رحمه الله الإجماع على ذلك أيضا . ينظر : "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 10).

فبإجماع العلماء، كما نقله ابن حزم وغيره : أنه يجوز للرجع أن يتزوج (أربع نساء) أو أقل: في جلسة واحدة، وفي كلام واحد ، بعد أن يبين لكل واحدة منهن: ما لها من حق عليه !!

وأنت تسألين، وتقولين : هذا خاص باليتيمة التي في حجره ، ( ولا يوجد الآن من يربي يتيمات  ..) ؟!

وقال ابن قدامة رحمه الله: " (وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات) : أجمع أهل العلم على هذا، ولا نعلم أحدا خالفه منهم، إلا شيئا يحكى عن القاسم بن إبراهيم، أنه أباح تسعا؛ لقول الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع [النساء: 3] . والواو للجمع؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات عن تسع.

وهذا ليس بشيء؛ لأنه خرق للإجماع، وترك للسنة، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لغيلان بن سلمة، حين أسلم وتحته عشر نسوة: أمسك أربعا، وفارق سائرهن .

وقال نوفل بن معاوية: أسلمت وتحتي خمس نسوة، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: فارق واحدة منهن. رواهما الشافعي، في " مسنده ".

وإذا منع من استدامة زيادة عن أربع، فالابتداء أولى. فالآية أريد بها التخيير بين اثنتين وثلاث وأربع، كما قال: أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع [فاطر: 1] . ولم يرد أن لكل ملك تسعة أجنحة، ولو أراد ذلك لقال: تسعة، ولم يكن للتطويل معنى، ومن قال غير هذا فقد جهل اللغة العربية. وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فمخصوص بذلك" انتهى من "المغني" (7/ 85).

والحاصل :

أن القول بأن التعدد لا يباح إلا لمن كان في حجره يتيمة يخاف أن يظلمها: ضلال مبين ، لا نعلم أحدا من أهل الإسلام قاله، وهو مخالف للقرآن وللسنة ولإجماع المسلمين.

والله أعلم.

تعدد الزوجات والعدل بينهن
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب