حكم الخلوة في البريّة كما يصنع الصوفية

06-08-2018

السؤال 286276

أود أن أسأل عن الخروج لمدة أربعين يوماً قام به بعض شيوخ الصوفية البارزين في شبه القارة، مثل *** الذي يذهب إلى الغابة للتأمل. ما هو المعنى الحقيقي وأصل هذا المرتكز على القرآن والسنة، وإذا كان مسموحاً به أو هو حرام؟

الجواب

الحمد لله.

هذا الخروج للبريّة على وجه الانفراد لمدة أربعين يوما، مما ابتدعه من ينتسب للصوفية ويسمونه بـ "الخلوة".

وليس لهم عليها دليل شرعي صحيح، بل تكلفوا الاستدلال لها بما ليس بدليل.

فاستدلوا لأصل الخلوة بمكوث النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء قبل نزول الوحي.

عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ ... " رواه البخاري (3) ومسلم (160).

وأما التحديد بأربعين يوما فزعموا أن قصة ميعاد موسى عليه السلام يدلّ عليه؛ كما في قوله تعالى:

  وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ  الأعراف (142).

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" ولما أتم الله نعمته على بني اسرائيل بالنجاة من عدوهم، وتمكينهم في الأرض، أراد تبارك وتعالى أن يتم نعمته عليهم، بإنزال الكتاب الذي فيه الأحكام الشرعية، والعقائد المرضية، فواعد موسى ثلاثين ليلة، وأتمها بعشر، فصارت أربعين ليلة، ليستعد موسى، ويتهيأ لوعد الله، ويكون لنزولها موقع كبير لديهم، وتشوق إلى إنزالها " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 302).

وهذا الذي استدلوا به لا يعتبر دليلا شرعا ، لما يلي :

أولا:

فأمّا تحنث النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء فهو من أفعاله قبل النبوة، وأفعاله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ليست ممّا أمرنا بالتأسي به فيها، بل أُمِرْنا بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن اتصف بوصف الرسالة، فأصبحت أقواله وأفعاله بيانا لشرع الله تعالى؛ كما قال الله تعالى:

 لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا   الأحزاب (21).

قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وأما الخلوات فبعضهم يحتج فيها بتحنثه بغار حراء قبل الوحي، وهذا خطأ؛ فإن ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة : إن كان قد شرعه بعد النبوة، فنحن مأمورون باتباعه فيه وإلا فلا.

 وهو من حين نبأه الله تعالى : لم يصعد بعد ذلك إلى غار حراء ، ولا خلفاؤه الراشدون.

وقد أقام صلوات الله عليه بمكة قبل الهجرة بضع عشرة سنة، ودخل مكة في عمرة القضاء، وعام الفتح أقام بها قريبا من عشرين ليلة، وأتاها في حجة الوداع؛ وأقام بها أربع ليال ؛ وغار حراء قريب منه : ولم يقصده " انتهى. "مجموع الفتاوى" (10 / 393 - 394).

ثانيا:

وأما قصة موسى عليه السلام :

فليس فيها دليل على مشروعية الخلوة لنا ؛ فإننا إذا افترضنا جدلا أنها كانت من جنس الخلوة المعروفة للناس اليوم ؛ فغايتها أن تكون شرعا لمن كان قبلنا .

وقد سبق التعليق عليها في جواب السؤال رقم : (295670) . فلينظر .

والله أعلم 

البدعة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب