حكم التكبير قبل دعاء القنوت

14-03-2018

السؤال 274393

قرأت في السؤال رقم : (165761) قولكم لمن سألكم عن إمام كبر قبل القنوت : " ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﺇﻣﺎﻣﻜﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻭﻗﺒﻞ ﺍﻟﺮﻛﻮﻉ ﻭﺍلبقاء ﺻﺎﻣﺘﺎً ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺫِﻛﺮ : ﺃﻣﺮ ﻣﺒﺘﺪﻉ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺃﺻﻞ ، ﻓﺎﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻳﻌﻘﺒﻪ ﺭﻛﻮﻉ ، ﻭﻟﻴﺲ ﻳﻌﻘﺒﻪ ﺻﻤﺖ ﺃﻭ ﺫﻛﺮ ﺛﻢ ﺗﻜﺒﻴﺮ ﺁﺧﺮ ﻟﻠﺮﻛﻮﻉ ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻠﻪ " و لكن أثناء بحثي عن هذا الموضوع وجدت في مواقع أعتبرها موثوقة أنه ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﻨﻮﺕ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺮﻛﻮﻉ ﻓﺎﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻭﻗﺒﻞ ﺍﻟﻘﻨﻮﺕ ﺛﺎﺑﺖ ﻋﻦ ﻋﻤﺮ ﻭﺍﻟﺒﺮﺍﺀ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻨﻮﺕ ﺍﻟﻨﺎﺯﻟﺔ . ﻭﺭُﻭﻱ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻦ ﻋﻠﻲ ﻭﺍﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ، ﻭﻓﻲ ﺛﺒﻮﺗﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻧﻈﺮ . ﻭﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﻪ ﻋﻦ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺍﻟﻨﺨﻌﻲ ، ﻭﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﻦ ﻋﺘﻴﺒﺔ ، ﻭﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺍﻟﺴَﺒﻴﻌﻲ ، ﻭﺣﻤﺎﺩ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ، ﻭﻛﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ، ﻭﻗﺎﻝ ﺑﻪ ﺳﻔﻴﺎﻥ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ ، ﻭﺃﺣﻤﺪ ، ﻭﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻗﺪﺍﻣﺔ ﻓﻲ "ﺍﻟﻤﻐﻨﻲ" ﻋﻦ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺍﻟﺘﻜﺒﻴﺮ ": ﻭَﻟَﺎ ﻧَﻌْﻠَﻢُ ﻓِﻴﻪِ ﺧِﻠَﺎﻓًﺎ " و قد ذكر ﺗﻮﺛﻴﻖ ﻭﺗﻔﺼﻴﻞ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﻭﺍﻷﻗﻮﺍﻝ في ذلك وهو موجود في هذا الرابط www.saaid.net/Doat/yusuf/81.htm أرجو منكم التحقق من هذا الموضوع مشكورين .

الجواب

الحمد لله.

القنوت في الوتر سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد اختلف أهل العلم في مواضع فيه ، من ذلك مسألتان وردتا في السؤال :

المسألة الأولى : في التكبير قبل القنوت .

وصورة المسألة : إذا انتهى المصلي من القراءة ، سواء كان إماما أم منفردا ، وأراد أن يقنت قبل الركوع ، فهل يكبر قبل القنوت ثم يقنت ثم يكبر للركوع ، أم أنه يبدأ في القنوت فور انتهاءه من القراءة دون تكبير ؟

وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم ، والخلاف فيها سائغ .

وقد صح ذلك عن بعض الصحابة والتابعين ، ومن هؤلاء :

عمر بن الخطاب رضي الله عنه

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (4959) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7033) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1375) ، من طريق مُخَارِقٍ ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، ( أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْفَجْرَ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كَبَّرَ ، ثُمَّ قَنَتَ ، ثُمَّ كَبَّرَ ، ثُمَّ رَكَعَ ).

وإسناده صحيح .

علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (4960) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (7100) ، من طريق الثوري عن ، عَبْدِ الْأَعْلَى ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ ، أَنَّ عَلِيًّا، ( كَبَّرَ حِينَ قَنَتَ فِي الْفَجْرِ ثُمَّ كَبَّرَ حِينَ يَرْكَعُ ) .

 وإسناده حسن لغيره لأجل عبد الأعلى بن عامر ، قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" (3/451) :" وَهُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ ". انتهى ، وقال ابن حجر في "التقريب" (3731) :" صدوق يهم " . انتهى

وهو هنا لم ينفرد ، حيث له شاهد أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7040) من طريق أبي إسحاق عن الحارث عن علي :( َنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُ الْقُنُوتَ بِالتَّكْبِيرِ ) .

وهو ضعيف أيضا لأجل الحارث الأعور ، وعنعنة أبي إسحاق ، إلا أنه يقوي الطريق السابق ، فهو حسن لغيره إن شاء الله .

البراء بن عازب رضي الله عنه .

أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (4961) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7036) ، من طريق مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ، عَنِ الْبَرَاءِ، ( َنَّهُ قَنَتَ فِي الْفَجْرِ فَكَبَّرَ حِينَ فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ ، وَكَبَّرَ حِينَ رَكَعَ ).

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، إلا أنه لا يصح عنه .

أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6948) من طريق لَيْثٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، ( كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَنَتَ ، فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقُنُوتِ ، كَبَّرَ ثُمَّ رَكَعَ ).

وإساده ضعيف لأجل " ليث بن أبي سليم " ، قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (2/75) :" واتفق العلماء على ضعفه، واضطراب حديثه، واختلال ضبطه " انتهى .

ومن التابعين إبراهيم النخعي كما في "مصنف ابن أبي شيبة" (6949) ، والحكم وحماد وأبي إسحاق ، كما في "مصنف ابن أبي شيبة" (6952)

وهو قول الحنفية ، ورواية عن الإمام أحمد .

قال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/273) :" ثُمَّ إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالثةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ ثُمَّ أَرْسَلَهُمَا ثُمَّ يَقْنُتُ.

أَمَّا التَّكْبِيرُ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ وَقَنَتَ ".انتهى

وقال ابن قدامة في "المغني" (2/121) :" وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إذَا قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ كَبَّرَ ، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْقُنُوتِ ". انتهى

وبناء على ما سبق : فمن قنت قبل الركوع ، وكبر قبل قنوته : لم ينكر عليه ، بل هو فعل سائغ ، سبقه إلى غير واحد من السلف وأهل العلم ، كما سبق .

وإذا كان الإمام ، أو المصلي الذي يفعل ذلك : حنفي المذهب ؛ فهو مقلد حينئذ لأبي حنيفة في ذلك ، وهذا غاية ما يلزمه ، ولا حرج عليه فيه .

المسألة الثانية : عدم الجهر بدعاء القنوت

ذكر السائل أن الإمام بعدما كبر للقنوت سكت ، وهنا نقول : إن الظاهر من فعل هذا الإمام : أنه لم يسكت ، غايته أنه لم يجهر بالدعاء .

وهذه أيضا من مسائل الخلاف ، وهو قول الحنفية .

قال السرخسي في "المبسوط" (1/166) :" وَالِاخْتِيَارُ الْإِخْفَاءُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ ) .

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ وَالْقَوْمُ يُؤَمِّنُونَ ، عَلَى قِيَاسِ الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ ". انتهى

وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/274) :" وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا ، بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ : الْإِخْفَاءَ في دُعَاءِ الْقُنُوتِ ، في حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ جميعا ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) الأعراف/55 ، وَقَوْلِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم :( خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ ) " انتهى .

وهذان الأمران – الإسرار بالقنوت، وكونه قبل الركوع - : هما أيضا مذهب المالكية في المسألة.

قال خليل في مختصره المشهور : " ( وَقُنُوتٌ سِرًّا ، بِصُبْحٍ فَقَطْ ، وَقَبْلَ الرُّكُوعِ ) .

قال الحطاب في شرحه :

" يَعْنِي أَنَّ الْقُنُوتَ مُسْتَحَبٌّ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ . وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ ...

وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ: الْقُنُوتُ عِنْدَنَا فَضِيلَةٌ ، بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ ...

وَقَوْلُهُ: سِرًّا، يَعْنِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْقُنُوتِ : الْإِسْرَارُ بِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ .

وَقِيلَ: إنَّهُ يُجْهَرُ بِهِ ... " انتهى مختصرا من "مواهب الجليل" (1/539) .

وبناء على ما سبق :

فإن هذا الإمام يغلب على الظن أنه كبر قبل القنوت ، ثم لم يجهر في دعاءه ، وكلا الفعلين مذهب الحنفية ، وهي من مسائل الخلاف السائغ .

أما إن كبر قبل القنوت ، ثم صمت ، ولم يتكلم مطلقا ، لا سرا ولا جهرا ؛ فهذا هو الذي لا أصل له .

والله أعلم .

صلاة النافلة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب