حكم سب عيد المسلمين

03-03-2015

السؤال 225426


قبل عدة سنوات تم اعتقال أحد النصارى في باكستان بتهمة تحقير الدين الإسلامي عندما انتقد العيد بشكل علني ، فهل الحكم سواء إذا قال رجل مسلم كان يعاني من الاكتئاب نتيجة أمر ما وفي لحظة انفعال "أنه لا يهتم بالعيد الغبي أو اللعين" ، عندما سأله أحد الأشخاص ما سيفعل في العيد؟ هل يعتبر مثل هذا القول من الكفر أو تحقير الدين ، مع العلم أنّ الشخص لم يقصد إهانة الدين أو شعائره ، ولكنها زلة لسان في لحظة انفعال ؟ ففي باكستان يُقتل الشخص من قبل الناس إن قال شيئاً مهيناً للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو القرآن ، أو أي شيء آخر مهين عن الإسلام ؟ وهل هناك عقاب أو حد لمن قال شيئاً سيئاً عن العيد ، دون أن يذكر ذلك بالعلن ؟ وما هو الضابط في مسألة الحدود والعقاب والاستهزاء بالدين ؟

ملخص الجواب:

وخلاصة الجواب : • أن الاستهزاء بالدين كفر وردة عن الإسلام ، ومن ذلك : سب العيد الإسلامي . • من فعل ذلك استحق القتل إلا أن يتوب ويرجع إلى الإسلام . • الذي يتولى قتله هو الحاكم . • المنافق إذا لم يظهر نفاقه فإنه يعامل معاملة المسلمين في الدنيا ، ولكنه يكون عند الله كافرا . • من تلفظ بما هو كفر بسبب شدة الغضب والانفعال ، ولم يكن يقصد التلفظ بالكفر : فإنه يعذر ، ولا يكون كافرا . وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (163627) . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
الاستهزاء والاستخفاف بالدين أو بشيء من أحكامه أو شعائره الظاهرة : كفر وردة عن الإسلام .
وأصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم رسله، وتعظيم شعائره وأحكامه ، فالاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له .
والمرتد عن الإسلام يجب قتله ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، وأجمع على ذلك العلماء ، والذي يتولى قتله هو الحاكم ، حتى لا تصير الأمور فوضى ، ويعتدي الناس بعضهم على بعض . انظر إجابة السؤال رقم : (163627) .
ثانيا :
العيد في الإسلام من شعائره الظاهرة ، وتعظيمه من تعظيم شعائر الدين ، والاستخفاف به أو تنقصه أو تحقيره أو لعنه من الاستخفاف بشعائر الدين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك، التي قال الله سبحانه: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) الحج/ 67، كالقبلة والصلاة والصيام...... بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 528) .

وبناء على هذا ؛ فمن سب العيد الإسلامي ، فقد سب الإسلام ، ومن سب الإسلام فقد ارتد ووجب قتله .

لكن قبل الحكم على الشخص بأنه مرتد يجب التحقق من وجود شروط التكفير وانتفاء موانعه .
ومن تلك الموانع : عدم القصد ، فقد يخطئ بعض الناس في اللفظ ، بدون قصد ، فلا يحكم عليه بالكفر ، مثل ذلك الرجل الذي وجد راحلته بعد أن يئس منها ، وكان عليها طعامه وشرابه وجلس ينتظر الموت ، فلما وجدها قال الرجل من شدة الفرح : (اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) رواه مسلم (4932) .
فهذا الرجل قد تكلم بكلام هو كفر ، ولكنه لم يكفر لأن الكلام سبق على لسانه من غير قصد منه ، فشدة الفرح أذهلت هذا الرجل وجعلته يخطئ في الكلام ، فكان معذورا بذلك .
ومثل ذلك أيضا : شدة الغضب ، فقد يبلغ الغضب من الإنسان مبلغا عظيما يجعله غير كامل الإرادة والاختيار لما يقول ، فيكون ذلك عذرا له ، وقد قص الله تعالى علينا قصة موسى عليه السلام حينما رجع إلى قومه فوجدهم يعبدون العجل ، فغضب غضبا شديدا ، وألقى الألواح من يده ، وهي الألواح التي كتبها الله له ، (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) الأعرف/150 . فكانت شدة الغضب عذرا لموسى عليه السلام .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في الكلام على تأثير الغضب الشديد على التصرفات : "واحتجوا على هذا بقصة موسى عليه الصلاة والسلام ، فإنه لما وجد قومه على عبادة العجل ، اشتد غضبه عليهم ، وجاء وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه من شدة الغضب ، فلم يؤاخذه الله لا بإلقاء الألواح ، ولا بجر أخيه هارون وهو نبي مثله ، ولو ألقاها تهاوناً بها وهو يعقل لكان هذا عظيماً ، ولو جر إنسانٌ النبيَّ بلحيته أو رأسه وآذاه ، لصار هذا كفراً .
لكن لما كان موسى في شدة الغضب العظيم لله عز وجل على ما جرى من قومه : سامحه الله ، ولم يؤاخذه بإلقاء الألواح ولا بجر أخيه" انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (1/ 375) .

وبناء على هذا ؛ فهذا الشخص المسئول عنه لا يحكم عليه بالكفر لأن ذلك كان منه زلة لسان نتيجة انفعاله وغضبه ، ولم يقصد إهانة الدين كما ورد في السؤال .

ثالثا :
أما من سب العيد سرا ولم يعلن بذلك ، فإنه يكون كافرا مرتدا فيما بينه وبين الله تعالى ، ولكنه يكون عند الناس مسلما ، وهذا هو المنافق الذي قال الله تعالى فيه : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) النساء/145-146.
وأما عقوبته في الدنيا فلا عقوبة عليه ، لأن العقاب في الإسلام (بإقامة الحدود وغيرها) إنما يكون لمن أظهر جريمته ، والمنافق يعامل في الدنيا معاملة المسلمين بناء على ما يظهر منه ، ثم يوم القيامة يكون عقابه أشد من عقاب الكفار المعلنين بالكفر .
وعلى من فعل شيئا من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، قبل أن ينزل به الموت ، فيندم أشد الندم وقت لا ينفعه الندم .

الردة المناهي اللفظية الأخلاق المذمومة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب