حكم التعبير عن الحزن على بلدٍ برسم صورة سوداء ، وكتابة عبارات أسف عليها ؟

01-09-2014

السؤال 220482


أخت قامت بتغيير صورتها الشخصية على الفيسبوك ، بصورة سوداء مكتوب عليها حداد على بلد معين ، فقلت لها : إن الحداد في الاسلام لا يجوز إلا في حالتين فقط : - المرأة التي توفي عنها زوجها فتحد مدة العدة أربعة أشهر وعشرا. - المرأة التي توفي أحد أقاربها تحد ثلاثة أيام، فليس للمرأة حداد في غير ما ذكر. فضلا عن ان تخصيص السواد للحداد لا أصل له. فقالت : ما أدين الله به أن هذه الصور ليس بها ما يناقض الشرع لأنها ليست فعل يؤكد الحداد الشرعي أو ينفيه ، والأمر فيه سعة ، حيث إني أعيش حياة طبيعية ( أي أضع الزينة والطيب .. طبعا في البيت .. وأفعل كل ما لا تفعله المعتدة ) ، وما أعرض علي الصفحة من الصورة السوداء : ما هو إلا تعبير عن إحساس أشعر به. فما حكم الشرع في ذلك ؟ وهل هي على صواب فيما قالت ؟

الجواب

الحمد لله.

لا شك أن الإحداد مصطلح شرعي له معناه المعروف ، وقد جاء في بعض الأحاديث النبوية ، كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لاَ يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ) رواه البخاري (1280) ومسلم (1486) .

غير أن مثل هذه الصور التعبيرية ، والكلمات التي تكتب عليها لا يراد بها حقيقة معناها ، ولذلك  ذكرت صاحبة الواقعة أنها تعرف الإحداد ، ومقتضاه في الشرع ، وأنها لا تلتزم بشيء من ذلك كله ؛ وإنما قصارى الأمر أن يكون صورة رمزية ، تعبر بها عن حالة الحزن أو التحسر أو التألم .. أو نحو ذلك .

ومثل هذا الاستعمال لا بأس به ، ولا يظهر لنا في الشريعة الإسلامية ما يمنعه .

لكن ينبغي التنبه إلى أن استعمال مثل هذه الصورة : قد يكون ممنوعا شرعا إذا كان المقصود تزكية الإنسان نفسه ، أو حزبه ، أو جماعته ، والإشارة إلى هلاك سائر الناس سوى من ذكر .

فقد روى مسلم (2623) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ : هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) .

نقل أبو داود عن الإمام مالك أنه قال : إِذَا قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لِمَا يَرَى فِي النَّاسِ ، يَعْنِي فِي أَمْرِ دِينِهِمْ ، فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا ، وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ عُجْبًا بِنَفْسِهِ ، وَتَصَاغُرًا لِلنَّاسِ : فَهُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ.

وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :

"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ الرَّجُل : هَلَكَ النَّاس فَهُوَ أَهْلَكَهُمْ ) ... مَعْنَاه : أَشَدّهمْ هَلَاكًا ...

وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هَذَا الذَّمّ : إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيل الْإِزْرَاء عَلَى النَّاس , وَاحْتِقَارهمْ , وَتَفْضِيل نَفْسه عَلَيْهِمْ , وَتَقْبِيح أَحْوَالهمْ , لِأَنَّهُ لَا يَعْلَم سِرّ اللَّه فِي خَلْقه .

قَالُوا : فَأَمَّا مَنْ قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لِمَا يَرَى فِي نَفْسه وَفِي النَّاس مِنْ النَّقْص فِي أَمْر الدِّين : فَلَا بَأْس عَلَيْهِ ... هَكَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَام مَالِك , وَتَابَعَهُ النَّاس عَلَيْهِ .

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ : لَا يَزَال الرَّجُل يَعِيب النَّاس , وَيَذْكُر مَسَاوِيَهُمْ , وَيَقُول : فَسَدَ النَّاس , وَهَلَكُوا , وَنَحْو ذَلِكَ ؛ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ . أَيْ : أَسْوَأ حَالًا مِنْهُمْ ، بِمَا يَلْحَقهُ مِنْ الْإِثْم فِي عَيْبهمْ , وَالْوَقِيعَة فِيهِمْ , وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْعُجْب بِنَفْسِهِ , وَرُؤْيَته أَنَّهُ خَيْر مِنْهُمْ . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .

والله تعالى أعلم .

البدعة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب