فرَّقوا بين أختهم وزوجها وولدها بالإكراه تارة ، وبالسحر تارة ، حتى كرهت ولدها وهجرته إلى أن مات

24-11-2014

السؤال 217591


عندي عمة كانت متزوجة ولها ولد ، أجبرها أعمامي وأبي على أن تطلب الطلاق من زوجها ؛ لأن أخته تطلقت من عمي لأنه لا ينجب ، وعندما رفضت أخذوها بالقوة ولم يتركوها تأخذ ابنها ، وعملوا لها عملا لكي لا تطلب ابنها ، وبالفعل كرهت ولدها ، ولا تحب حتى أن تسمع باسمه وتدعو عليه بالموت وبأـبشع الادعية ، عندما كبر الولد كان يحاول مرات عديدة مقابلتها ولكنها ترمي عليه الأحذية ، وتتهرب وتدعي عليه ، وعندما تزوج ورزق بأولاد كان يحضرهم لها ، ولكنها أيضاً نفس الشي تدعو عليه وعلى أبنائه ، توفي ولدها امس بعمر ٣٣ فجأة ، أخبرناها فقالت : لما كان حيا لم أشعر به ، والآن مات ولا أشعر به ورفضت رؤيته قبل دفنه ، أبي ندم على ما فعلوه بها ، حاول أن يكفر عن ذنبه ولكنه فشل ، هو اليوم من يقوم برعايتها فهي تعيش وحيدة ، طلب ممن قام بالعمل أن يبطله ولكن الرجل رفض وهو من أهلنا . ماذا يجب على أبي لكي يكفر عن ذنبه ؟ وهل تؤاخذ عمتي على ما تقوم به وهل تأثم ؟

الجواب

الحمد لله.


ما فعله أعمامك ووالدك مع أختهم التي هي عمتك جرم كبير وإثم عظيم اشتمل على جملة من الفواحش والكبائر التي حرمها الله سبحانه ، ولعن فاعلها ، وغضب عليه ، وتوعده بالعذاب المهين في الدنيا والآخرة ، ومن هذه الفواحش :
أولا :
إفساد ما بينها وبين زوجها وإجبارها على فراقه ، وهذا فعل محرم ورد فيه الوعيد الشديد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ [أي : أفسد] امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا ) رواه أبو داود (2175) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : - " فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة ، وهو من فعل السحرة ، وهو من أعظم فعل الشياطين . " انتهى من مجموع الفتاوى " ( 23 / 363 ).
وقال الشيخ صالح الفوزان- وفقه الله : - " وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها ، ويخببها عليه ؛ فقد جاء في الحديث : ( ملعون من خبَّب امرأة على زوجها ) ومعناه : أفسد أخلاقها عليه ، وتسبب في نشوزها عنه ، والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها ؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم
. " انتهى من " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 248 ، 249 ) .
ثانيا :
التفريق بين أختهم وولدها ، وهذا من أعظم الذنوب التي تدل على شقاء فاعلها وقسوة قلبه ، وذلك لأن تعلق الأم بولدها ورحمتها به وحنانها عليه فطرة فطر الله عليها جميع المخلوقات من بشر وحيوان ووحش وطير ، وأشد شيء على الأم أن يحال بينها وبين ولدها الذي هو فلذة كبدها وثمرة فؤادها ، وهذا لا يخص البشر وحدهم بل يشاركهم في ذلك البهائم العجماوات، ففي مسند أحمد (3835) ، و" الأدب المفرد " للبخاري (382) عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ: " نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا ، فَانْطَلَقَ إِنْسَانٌ إِلَى غَيْضَةٍ ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَيْضَ حُمَّرَةٍ [طائر كالعصفور] ، فَجَاءَتِ اَلْحُمَّرَةُ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُءُوسِ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ: ( أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ؟ ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : أَنَا أَصَبْتُ لَهَا بَيْضًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ارْدُدْهُ ) وفي رواية أخرى في المسند (3836) قَالَ: ( رُدَّهُ ، رَحْمَةً لَهَا ) صححه الألباني في " الأدب المفرد " للبخاري مخرجا برقم (382).
وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفرق بين أم وولدها أن يفرق الله سبحانه بينه وبين أحبته يوم القيامة ، والجزاء من جنس العمل ، فقد أخرج الترمذي في سننه (1283) عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) حسنه الألباني في " مشكاة المصابيح"(3361) .
ثالثا:
لجوؤهم إلى السحر للتفريق بين أختهم وولدها ، وهو ما يسمى بسحر الصرف ، والسحر يفرق بين الأحبة ، قال الله تعالى في تأثير السحر : (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) ، والسحر من كبائر الذنوب والموبقات حتى جرت عادة علماء الإسلام أن يدرجوه في كتب العقيدة ومسائل الإيمان ؛ لأنه كثيرا ما يستلزم الكفر بالله سبحانه والشرك به ، قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى : " وجه إدخال السحر في أبواب التوحيد أن كثيرا من أقسامه لا يتأتى إلا بالشرك والتوسل بالأرواح الشيطانية ، إلى مقاصد الساحر ، فلا يتم للعبد توحيد حتى يدع السحر كله قليله وكثيره ، ولهذا قرنه الشارع بالشرك ، فالسحر يدخل في الشرك من جهتين : من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم وربما تقرب إليهم بما يحبون ليقوموا بخدمته ومطلوبه ، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في علمه وسلوك الطرق المفضية إلى ذلك ، وذلك من شعب الشرك والكفر، وفيه أيضا من التصرفات المحرمة والأفعال القبيحة كالقتل والتفريق بين المتحابين والصرف والعطف والسعي في تغيير العقول ، وهذا من أفظع المحرمات ، وذلك من الشرك ووسائله ولذلك تعين قتل الساحر لشدة مضرته وإفساده " انتهى من " القول السديد شرح كتاب التوحيد " (1 / 109).
فالواجب على والدك وأعمامك أن يسارعوا بالتوبة إلى الله سبحانه من هذه الذنوب والآثام وأن يصلحوا ما أفسدوه في علاقتهم بأختهم وزوجها وابنها ، وأن يطلبوا الطرق الشرعية لعلاج أختهم من هذا السحر وذلك يكون برقيتها رقية شرعية وإفساد هذه الأشياء التي يظن أن السحرة قد عقدوا عليها للتأثير على المسحور ، قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : " ومن العلاج أيضاً : إتلاف الشيء الذي يظن أنه عمل فيه السحر من صوف أو خيوط معقدة أو غير ذلك مما يظن أنه سبب السحر ، مع العناية من المسحور بالتعوذات الشرعية ومنها التعوذ " بكلمات الله التامات من شر ما خلق " ثلاث مرات صباحا ومساء ، وقراءة السور الثلاث– وهي " الإخلاص " و " الفلق " و " الناس " - بعد الصبح والمغرب ثلاث مرات ، وقراءة آية الكرسي بعد الصلاة ، وعند النوم . ويستحب أن يقول صباحاً ومساء : " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ثلاث مرات ؛ لصحة ذلك كله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مع حسن الظن بالله والإيمان بأنه مسبب الأسباب وأنه هو الذي يشفي المريض إذا شاء" انتهى من " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 7 / 80 ، 81 ) .
وأما ما كانت تفعله عمتك من نفورها من ولدها وهجرها له فإن كان هذا قد تم تحت تأثير السحر بدون اختيار وإرادة منها ، فإنها لا تؤاخذ على شيء من ذلك إن شاء الله ؛ لأنها لم تكن في وعيها وقت هذه التصرفات ، وإنما كانت مغلوبة عليها بتأثير السحر .
قال الشيخ الصادق الغرياني المفتي العام لدولة ليبيا : " إذا بلغت درجة السحر أن جعلت الإنسان مسلوب الإرادة ، فإن الله سبحانه لا يحاسبه على ما بدر منه حينئذ من أقوال وأفعال ، بخلاف المسحور الذي لم تصل حالته إلى درجة سلب الإرادة ، وبخلاف العاقل المختار الذي لم يفقد الإدراك ، فهذان محاسبان على أقوالهما وأفعالهما" انتهى من " موقع دار الإفتاء الليبية ، وتراجع الفتوى رقم : (210635).
نسأل الله تعالى أن يشفي عمتك وأن يتوب على والدك وأعمامك .
والله أعلم .
الأخلاق المذمومة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب