الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

لديه مال ويتصدق أسبوعيا بنصف ماله فهل يلزمه الادخار للحج؟

384835

تاريخ النشر : 08-11-2022

المشاهدات : 2114

السؤال

لقد أنعم الله عليّ ببعض الثروة، وأنا أعطي خمسون بالمائة منها في الأسبوع للصدقة، الخمسون بالمائة الأخرى عادة أحفظها وأستخدمها، ليس لديّ من أُعيله لأنني شاب، أجد صعوبة في توفير المال؛ لأنه كلما تصبح أموالي مبلغًا جيدًا أتصدّق بها، فهل يرضى الله تعالى عما أفعله، أم أنه أكثر من اللازم؟ وهل من الأفضل لي الصدقة أم الادخار للحجّ؟ وما الذي يحبه الله تعالى أكثر؟

الحمد لله.

أولا:

فضل الصدقة

الصدقة فضلها عظيم، وثوابها كبير، فهنيئا لمن أعطاه الله المال فكان من المتصدقين.

قال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ البقرة/261.

وقال تعالى : إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ البقرة/271.

وقال تعالى :إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ الحديد/18 . إلى غير ذلك من الآيات الواردة في فضل الصدقة والإنفاق في سبيل الله .

وقال صلى الله عليه وسلم : مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ـ وَلا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلا الطَّيِّبَ ـ وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ رواه البخاري (1410)، ومسلم (1014).

و(الفلو) هو الفرس الصغير (المهر).

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أحد أبواب الجنة الثمانية باب الصدقة، وأنه يدخل منه من كان من أهل الصدقة . رواه البخاري (1897)، ومسلم (1027).

ويعظم أجر الصدقة بأمور منها أن تكون سرا، وأن تكون في أوقات الحاجات، وفي الأزمنة الفاضلة كرمضان، وعلى القرابة.

قال ابن قدامة رحمه الله :"وصدقة السر أفضل من صدقة العلانية؛ لقول الله تعالى: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم من سيئاتكم)، وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله .... وذكر منهم رجلا تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) متفق عليه .

ويستحب الإكثار منها في أوقات الحاجات، لقول الله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) أي: مجاعة شديدة .

وفي شهر رمضان؛ لأن الحسنات تضاعف فيه، ولأن فيه إعانة على أداء الصوم المفروض، ومن فطر صائما كان له مثل أجره .

وتستحب الصدقة على ذي القرابة؛ لقول الله تعالى : ( يتيما ذا مقربة ) أي جمع الوصفين: اليتم والقرابة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة , وهي على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة)،وهذا حديث حسن .

وتستحب الصدقة على من اشتدت حاجته، لقول الله تعالى: ( أو مسكينا ذا متربة ) أي : ليس بيده شيء إلا التراب، والمعنى أنه فقير جداً" انتهى من "المغني" (2/368) باختصار وتصرف.

ثانيا:

هل يتصدق بنصف ماله؟

يستحب أن تكون صدقة الإنسان عن ظهر غنى؛ بأن يبقي مالا لمصالحه وحوائجه.

قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ رواه البخاري (1426)، ومسلم (1034).

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "معناه أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنيا بما بقي معه. وتقديره أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبها ويستظهر به على مصالحه وحوائجه.

وإنما كانت هذه أفضل الصدقة بالنسبة إلى من تصدق بجميع ماله؛ لأن من تصدق بالجميع يندم غالبا، أو قد يندم إذا احتاج، ويود أنه لم يتصدق، بخلاف من بقي بعدها مستغنيا، فإنه لا يندم عليها بل يسر بها" انتهى.

ولذلك فالنصيحة لك ألا يكون هذا دأبك العام، بل أبق لنفسك، وحاجاتك، وادخر مالا تتزوج به، وتنفق على عيالك، فكل هذه أبواب من العبودية، ينبغي أن تسعى في تحصيلها، وتدع لها ما يكفيها من المال.

ثالثا:

هل يتصدق بنصف ماله أو يدخر للحج؟

ينبغي أن تدخر مالا لتحج، فإن الحج أحد فرائض الإسلام العظام، فإن جاء وقت الحج وعندك ما يكفي له، لزمك، وحرم عليك التأخير؛ لأنه واجب على الفور على الراجح. وينظر: جواب السؤال رقم:(41702). 

كما ينبغي أن تعتمر؛ فإن العمرة واجبة عند جماعة من أهل العلم.

قال في "كشاف القناع" (2/376):" (وتجب) العمرة (على المكي كغيره) أي غير المكي لقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة: 196] ولحديث عائشة: يا رسول الله هل على النساء من جهاد؟ قال: نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة رواه أحمد وابن ماجه ورواته ثقات.

وعن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن. قال: حج عن أبيك واعتمر رواه الخمسة وصححه الترمذي.

ولأنها تشتمل على إحرام وطواف وسعي، فكانت واجبة كالحج.

وأما بعض الأحاديث المسكوت فيها عنها فلأن اسم الحج يتناولها، روى مسلم من حديث ابن عباس دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة .

وفي كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم إلى أهل اليمن إن العمرة الحج الأصغر رواه الأثرم بإسناده.

وأما حديث طلحة بن عبيد الله مرفوعا: الحج جهاد، والعمرة تطوع؛ فأجيب عنه بأنه ضعيف رواه ابن ماجه" انتهى.

وبهذا يظهر أن الأفضل لك في سياسة مالك، وشأنك سوى ما تفعل، فتصدق بما يقدره الله لك؛ وأبق ما يكفي بحاجاتك، ويعينك على الزواج والعفاف، ويكفي لحجك وعمرتك؛ فهذا خير لك من أن تنفق ما ذكرت في صدقتك، ثم لا يبقى لك شيء بعد ذلك لهذه الأبواب من الخير.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب